top of page
Search

"وانقطع الخط ".... مواجهة الذات تنتج الوعي/ قراءة ومقال للفنان والناقد حسام الدين مسعد / مصر ,,,,,,,,,,,,,,,,

  • Writer: وهاب السيد
    وهاب السيد
  • Apr 20
  • 4 min read



"وانقطع الخط ".... مواجهة الذات تنتج الوعي

بقلم /حسام الدين مسعد

★★★★★★★★★★★٭

 حين تصطدم العاطفة بكرامة امرأة تحاول أن تحيا حرّيتها وسط مجتمع متغير ما الذي يحدث إذن؟، فهل يكون الحبّ عدوّ التحرر أم وجهٌ آخر له؟ تجيب مسرحية "و انقطع الخط" عن هذه الأسئلة من خلال دراما نفسية متوترة تتقاطع فيها ثنائية المرأة والعاطفة، والخيانة والانعتاق، في قالب يعتمد على رمزية دقيقة وحوار داخلي عميق نعيش من خلاله صراع المرأة العربية بين قلبها وعقلها، ونتتبع مسارًا يدافع عن حريتها، ليس فقط من قمع المجتمع، بل من سطوة التعلّق والتواطؤ العاطفي.

-تأخذنا مسرحية "و انقطع الخط" في رحلة نفسية وشعورية لامرأتين على حافة الانفجار، حيث يتحول الحب من نعمة إلى نقمة، ويتبدى الخذلان ليس من الرجل وحده، بل من أقرب النساء، لكنها أيضًا مسرحية عن انتصار الإرادة، عن انعتاق امرأة عربية تمزج بين الوعي النسوي والإحساس الإنساني، لتعلن – بعد صراع مرير، أنه لا حرية بدون كرامة، ولا كرامة بدون مواجهة الذات أولاً، ففي عرض يحتكم الي الحجاج في بنائه السردي والرمزي، نكتشف أن "الخط لا ينقطع فقط بين المتكلمين عبر الهاتف، بل بين ما كنا عليه وما نريد أن نكونه،مما يثير السؤال هل الحب يُفقد المرأة إرادتها أم يدفعها لاكتشاف قوتها؟

يستند النص المسرحي للمؤلف المغربي شكيب عبدالحميد إلى أطروحة مضادة تقول بأن الحب، حين يتجاوز حدّه، يجرّد المرأة من إرادتها،و هذا ما لاحظناه في بداية المسرحية، حيث تبدو سارة والتي لعبت دورها الممثلة المغربية مريم صوفي شخصية ممزقة، تائهة، تكاد تنهار تحت وطأة العاطفة، أمام خيانة تتكشف شيئًا فشيئًا، غير أن التسلسل الدرامي يعيد ترتيب هذه الفرضية عبر التطور التدريجي للشخصية، وصولًا إلى إعلان استقلالها عن التبعية العاطفية،وهذا التدرج يُذكرنا بما طرحته الكاتبة سيمون دي بوفوار في كتابها الجنس الآخر حين قالت: "المرأة لا تولد امرأة، بل تصبح كذلك"، وهو ما تعكسه سارة في تحولها من ضحية حب إلى كيان حر.

 أما شخصية ماريا والتي قامت بدورها الممثلة يسري الطويل، لم تكن مجرد صديقة خائنة، بل كانت من زاوية درامية هي المحرك الخفي للصراع،و من خلالها تنكسر مرآة العلاقة، وتنكشف أقنعة سارة،إذ تمثل ماريا الخطاب المضاد داخل النص، وتجسّد "التواطؤ الأنثوي مع النظام الأبوي" كما وصفته فرجينيا وولف. ومع انكشاف الخيانة، لا تتوقف سارة عند الألم، بل تعيد تموضعها داخل صراع لا ينتهي إلا باستعادة الوعي.

-لكن ماذا أراد السينوجراف مصطفي رضوان من العلامات التي خلقها في فضاء الخشبة بهذا العرض ؟

لقد تشكلت السينوجرافيا من شاشة عرض وضعت في يمين مؤخرة المسرح ظهرعليها ساعة دائرية كبيرة ،وعقرب الثواني فيها يدور في سرعة شديدة وعلي نفس المستوي يظهر إطار صورة لمغني يعزف علي الجيتار وملامحه لا تتضح للجمهور،ويظهر مع استخدام صوت المغني في بعض المشاهد ،وامام منتصف الشاشة والإطار يوجد مقعد ثابت وعلي يسار مقدمة المسرح توجد أريكة بجوارها منضدة صغيرة عليها تليفون ارضي وفي مقدمة يمين المسرح وجدت موتيفة ذات وجهين الأول لونه اسود ولصقت عليه اوراق مرسوم عليه قلب وعلي يمينه حرف S وعلي يساره حرف H،اما الوجه الآخر كان لونه ابيض تم استخدامه في مشهد وحيد هو مشهد الحلم المفزع (الكابوس ) بإسقاط الإضاءة عليه ليبدو كقفص حديدي تقف خلفه سارة .

-إن البعد البصري في مسرحية وانقطع الخط، ليس زخرفيًا، بل حمّال دلالات،فالساعة ذات عقرب الثواني المتسارع، تضعنا أمام تجربة الزمن النفسي كما حلله هنري برغسون، حيث يتسارع الإحساس بالوقت تحت ضغط المشاعر.

أما صورة المغني غير الواضحة تجسد غموض العلاقة، وهوية الحبيب الذي يبدو حاضرًا وغائبًا في آن، بينما صوته يتكرر بشكل مجتزأ، كما لو أنه ذكرى تُعاد، لا رجل حقيقي.

-الموتيفة السوداء ترمز لثنائية (S/H) – أي الصراع بين سارة وحاتم – وترمز إلى القلب بوصفه ساحة معركة.

-اعتمد سعيد كرامو مخرج هذا العرض على اقتصاد المشهدية والتركيز على أداء الممثلتين، مع تكثيف لحظات الصمت، التي كانت حاملة لمعنى أعمق من الكلمات،فتم خلق ايقاع ذاتي،كونه المخرج من توظيف الموسيقي والإضاءة واستخدام التقنية الرقمية،وكذا وعيه بتفاصيل الأداء التمثيلي، لينتج المتعة حيث كان التعبير الجسدي والصوتي أكثر بلاغة من الحوار،لذا كان دور المخرج في تكوين نمط الإيقاع العام للحركة علي ضوء المنهج الرمزي الذي انتهجه في إخراجه للعرض، يأخذ صفة التنوع،والتجزء تبعاً لتفاصيل السلوك الحركي للشخصيتين عاكساً تكوين عام فيه تلقائية شكلية، روعي فيه ترتيب احجام الشخصيتين بملابس عصرية،وتوافقت الحركة مع مواقف كلا الشخصيتين المختلفين فكانت فردية تتضمن توكيداً لبعض فعل كل شخصية،فتنوعت بين الخطوط الدائرية والأفقية،فجاءت موحية بإيقاع الحركة من خلال الظرف النفسي الملائم والإنفعالات النفسية والصوتية المتباينة التي تناسبت مع التشكيل في فضاء العرض مؤكدة علي موقف الشخصيتين من قضية العرض المطروحة،فجاء الأداء التمثيلي يتسق مع ماسبق أيضاً فنشاهد مريم صوفي الممثلة التي جسدت شخصية سارة تلعب دورها بتركيبة معقدة من المشاعر المتضادة: الحنان، الغضب، الحيرة، والقرار،إذ كان واضحًا اشتغالها على طبقات صوتية متغايرة، واستخدامها للجسد في ترجمة الانفعالات، دون مبالغة أو افتعال،فأبرزت للمتلقي شخصية تعاني من الانقسام الداخلي دون أن تفقد توازنها الأدائي.

-أما الممثلة التي جسدت شخصية ماريا: قدمت أداءً داخليًا يراوح بين الحياد والخديعة، بملامح هادئة لا تُفصح عما يدور خلفها، مما أضفى بعدًا تشويقيًا للصراع. سيطرت على الإيقاع عبر نظراتها وتحكمها في المساحات الصامتة.

وأخيراً :تُشكّل مسرحية "و انقطع الخط" أكثر من مجرد عرض نسوي؛ إنها تجربة درامية تنتصر للمرأة من الداخل، دون خطابات جاهزة عبر نص محكم، ورؤية إخراجية رمزية، وأداء تمثيلي واعٍ، تتحول سارة من مستهلكة للعاطفة إلى منتجة للوعي، وهنا بالضبط تنقطع كل الخطوط القديمة، لتُعاد كتابة الحكاية من جديد: حكاية امرأة قررت أن تُحب نفسها أولًا.

 
 
 

Comments


موقع فنون الثقافي

©2024 by موقع فنون الثقافي . Proudly created with Wix.com

bottom of page