واثقيات الچلبي،،اشتباكات الذات الفطنة!/ مقال للروائي شوقي كريم حسين / العراق ,,,,,,,,,,,,,,,
- وهاب السيد
- Dec 23, 2024
- 3 min read

أجمل ما قرأت،،
واثقيات الچلبي،،اشتباكات الذات الفطنة!
اشارة تعريفية ل..شوقي كريم حسن
القصيدة تعكس اشتباكًا داخليًا بين الذات والزمن، حيث يصبح عيد الميلاد لحظة لتأمل متناقض: احتفالًا بوجود يمتد، واعترافًا بتآكل هذا الامتداد. الزورق الذي يحمله العمر رمز لتجربة إنسانية تبحر بين المد والجزر، في حركة تبدو أبدية لكنها في الواقع تنحدر نحو النهاية. الزمن هنا ليس متواصلًا متساويًا، بل هو امتداد معقد؛ يوم يمضي، لكنه يحمل دهرًا من الأحمال.الأحزان التي يتحدث عنها الشاعر ليست مجرد لحظات عابرة، بل هي كيانات متأصلة، تسكنه وتكاد تعرّف وجوده. هذا الوجود نفسه يغرق في نومة الصبح، حيث يصبح الفجر، رمز البداية، مقيدًا بأسئلة الحادي، الذي يبكي على ضياع من شيب الزمن. لكن المفارقة الساخرة تأتي حين “يضحك الطوفان من الذنب”، وكأننا جميعًا غارقون في تيارٍ مشترك من الأخطاء والندم.الشاعر يخلق صورًا تجمع بين التجريد والحسية، حيث النار في البئر ليست مجرد حريق، بل هي دمعة تعوم في الأعماق، تلخص صراعًا داخليًا بين الاحتراق والإضاءة. الشمعة هنا تأخذ بعدًا مزدوجًا، إذ تشير إلى التضحية والإنارة، لكن أيضًا إلى الألم المستمر الذي ينهش الذات.الإيقاع الداخلي للقصيدة يتجلى في التكرار والتناقض، حيث “أكبر من عيدٍ وأعيادِ” يعبر عن رفض لفكرة الاحتفال التقليدي، وكأن الزمن نفسه أصبح ثقيلاً لدرجة تمنع الفرح. في المقابل، تأتي لحظة الاقتراح بـ”أن نحتفل الآنا”، لكنها لحظة شديدة الذاتية، مقيدة بين الشاعر وربه، حيث الزمن يُقرأ كـ”لحظة” عابرة تتلاشى بسرعة.النهاية تتركنا في حالة من التوازن الهش بين الحاضر والمستقبل. الشاعر يعترف بمرور الزمن، لكنه يختار أن يحتفظ بالسر، ربما لأن هذا السر هو جزء من إرثه لأبنائه. ومع ذلك، يبقى السؤال مفتوحًا: هل السر هذا هو الحزن ذاته، أم أنه الحكمة التي يمكن أن تنير طريقًا آخر؟ القصيدة، بكل تناقضاتها، تترك أثرًا يثير الفكر والمشاعر في آن واحد.
القصيدة في نهايتها تبدو وكأنها محاولة لترويض الزمن، رغم أن الذات تدرك عجزها أمامه. إنها دعوة للتصالح مع الفناء دون أن تفقد جذوة الأمل، حتى لو كان الأمل ذاته مغموسًا بالحزن. الشاعر يختار أن يطفئ “ما يوقظ إيقاده”، في إشارة إلى رغبة في التهدئة، وربما إلى مقاومة شغفٍ قد يحمل معه المزيد من الألم. ومع ذلك، هذا الفعل نفسه يحمل داخله تناقضًا: الإطفاء الذي يهدف إلى السلام يوازيه وعيٌ بأن الحياة نفسها تحتاج إلى ذلك الإيقاد كي تستمر.النغمة التأملية تستمر حتى النهاية، حيث يتعامل الشاعر مع فكرة الإرث كامتداد لوجوده. السر الذي يحفظه لأولاده ليس مجرد حقيقة شخصية، بل هو خلاصة التجربة، ربما مزيج من الخسارات والرؤى التي تكوّنت عبر السنين. هنا يتجلى البعد الإنساني العميق للقصيدة، حيث تصبح الحياة مسارًا مشتركًا بين الأجيال، يحمل كل جيل فيه ما يمكن أن ينير أو يثقل على الجيل التالي.إن اختيار الشاعر لإنهاء القصيدة بلحظة هادئة، حيث يترك الإيقاد للأجيال المقبلة، يوحي بأنه يدرك أن دوره في هذا الامتداد قد انتهى أو يوشك أن ينتهي. لكن في ذلك الإدراك نفسه تكمن قوة التصالح، حيث يتحول الحزن إلى حكمة، والزمن من عدوٍ متسلط إلى معلمٍ عميق. القصيدة، برمزيتها ولغتها الغنية، تعيدنا إلى تأمل سؤال الوجود نفسه، وكيف يمكن للإنسان أن يعبر هذا التيار العاتي وهو يحتفظ بشيء من الضوء في يديه.
واثقيات 85
في عيد ميلادي
أطفئ ما يوقظ إيقادي
كأنني والعمرُ في زورق
أكبرهُ يوما
يكبرني دهرا
أعطي قماط الفجر للحادي
يسألني عن سرِ أحزاني
يبكي على ما ضاع من شيبي
فيضحك الطوفان من ذنبي
وكلنا غرقى
في نومة الصبح
نجم هوى في كأسِ أيامي
وشارعُ الليل
كأنهُ من شاهقٍ يُلقى
في بئرنا نارُ
تسبحُ في أعماقها دمعة
ما زلتُ أعطيها .. من حرقتي شمعة
أكبرُ من عيدٍ وأعيادِ
أهرمُ من دهري وإخلادي
نافذة العمر وألحاني
صوتُ غمام الصبر في الجرأة
لا عينها تبكي
ولن تقوم اليوم في مرأة
فكّرتُ أن نحتفل الآنا
قلبي وربِ .. نقرأ من عمر الندى لحظة
فإنني أمضي
كالعمر في ومضة
في عيد ميلادي
أطفئ ما يوقظ إيقادي
وأحفظ السر لأولادي
Comments