نزْهَةٌ في العَاصِفَةِ ../ سرد ادبي / للكاتب عبد الله سكريه / مصر,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
- وهاب السيد
- Jan 24
- 2 min read

نزْهَةٌ في العَاصِفَةِ ..
_ راح كلُّ راكبٍ يَجمعُ حاجياتِه بسُرْعَةٍ , فالرّياحُ نشطَتْ , واغْبرَّ الأُفقُ , وراحتِ الغيو مُ تتراكضُ , ويدفع بعضُها بعضًا , عابسةً مُتَوَعِّدةً .. واستسلمتِ الطبيعةُ لعاصفٍ طارئٍ من البَرْد , استجابتْ له الأجسادُ والوجوهُ والأطراف ُ..
_ وينادي االحاجّ محمّدُ الشيخِ : "يا الله ياركّاب ,لننطلقْ قبلَ أن تدهمَنا العاصفةُ فمشوارُنا طويلٌ ". وفي الطريقِ إلى عرسالَ , وعلى مدى السّهلِ الذي تجتازُه الحافلةُ , ربضَتْ القرى هادئةً , والثلوجُ تتساقطُ عليها كأنْ لم تتساقطْ من قبلُ !. لقد غيّبت معالمَها شيئا فشيئا , واختفى من حولِنا صورُ الجبالِ والهضابِ , ولم يبقَ سوى الطريق ِ، حيث راحتِ النّاقلةُ تسيرُ على حذَرٍ , وفيها الركابُ يتندّرون ويتساءَلون , والثلوجُ تتراكمُ بسرعةٍ ,والريحُ يعلو صفيرُها , والفضاءُ من حول الجميع قد سُدّتْ أبوابُه بمغاليقَ تبعثُ على الخوف !. والمشوارُ طويلٌ ..
_ وباتّجاهِ البلدةِ راحتِ السيّارةُ تصعّدُ ملتفّةً حولَ محاذيرِ الطبيعةِ , غيرَ آبهةٍ إلّا بعنادِها،وتصميم سائقِها , وهي تدوس بجدارةٍ ما تراكم في طريقها , وتصعّد على المنعطفات وتصعّد إلى أن... وليتدبرْ كلُّ راكبٍ أمرَه , فالسيارةُ عاندَتْ ! ومنعطفُ "وادي المطلب "قاسٍ .. وكفى !!
_ كنتُ آنذاكَ في التّاسعةَ عشرةَ , عائدا ًمن زحلةَ حيث كنت أتعلّمُ , وكعادتي في كلِّ يوم جمعة , كنت أزورُ أهلي ليومَين متتاليَين , على أن أعودَ صباحَ يومِ الاثنين التالي .
وحصلَ أن تركتُ ما كنتُ أحملُ , وترجّلتُ من السيارةِ ،كما فعلَ الآخرون ..
_ واتّجهنا .. كلٌّ بدأ معركتَه منفردًا , قائمًا على همّتِه واستعدادِه , والمسافةُ طويلةٌ طويلةٌ ! والحواجزُ كثيرةٌ كثيرة ! . الريحُ زوابعُ , والأبصارُ غاشيةٌ , والطريقُ خافيةٌ , والصقيعُ يجمّد فيك العروقَ ،ويكادُ يُنسيك أنّك على قيدِ الحياةِ ! ولولا أنّك, على مدى السنوات الماضيةِ ,لم تأنسْ لهذي الطريقِ ، وتتعرفْ على منعطفاتها والمغاورِ المحيطةِ بها , لتاهتْ بك الاقدامُ , أو لشعرْتَ أنك في عالمٍ من الأشباحِ والعفاريت !! ..
_ وتمشي وتمشي , وأمرُك بيدِ الغَيبِ ؛ وقد يبستْ مفاصلُك وأطرافُك , وتجمّدَ فوق عينيك ، وتحت أنفك ، ما تهدَّل من نفانفَ ,ولا تعودُ أصابعُك تقوى حتّى على إزالتِها
وتحمدُ الله أنك وصلتَ وحدَك إلى ظهر "رأسِ السّرجِ " وخلفَك رجلٌ واحدٌ ساعدتْه صلابتُه ،أيضًا ،على الوصول .
ولكنْ ؛ ما أنت فاعلٌ ؟ والرّيحُ لا تَني تقذفُ بك يمينًا ويسارًا ,وتكادُ ترميك إلى جانبِ الطّريقِ ؟ في وهدةٍ عميقةٍ مخيفةٍ أيّام السّلمِ ؛ فكيف بها في هذه الحربِ الطّاحنةِ ؟
لقد اضطُررْتُ على الإنحناءِ , ثم الزّحفِ , ورحتُ أتلطّى وأتحايلُ , إلى أن قطعتُ المسافةَ , فصارتْ الدّربُ أمامي نزولًا , وبشيءٍ من الصبرِ والصمودِ , صعدت درجَ المخفرِ، وإذا بأبي "طوني ساسين " يفتحُ البابَ , ويُدخلني بكلّ معانقةٍ وترحيبٍ , ويُجلسني ما حلا لي أن أجلسَ , لأشكرَه , بعدئذ بإيماءةٍ . وأصلُ البيت ،وأفاجىء أهلي بوصولي في هذا الطقسِ العاصف !
وكان ترحيبٌ , وكان حمدٌ ! وكان عجزٌ عن الكلام لساعاتٍ ! ولم تُفكَّ القيودُ عن لساني إلا بعد أن أزالتْ المدفأةُ آثارَ العدوان ..
وكان أن "زربتْنا " الثلوجُ المكدّسةُ ,لاثني عشرَ يوما , اشتقنا خلالَها للشمسِ وللدّفْء وللمدرسة ..
عبد الله سكرية٠٠٠
Comments