قصة قصيرة /مرعي ومفرش السوق / للقاص علوي بن محمود ,,,,,,,,,,,,,,,,,
- وهاب السيد
- Apr 3
- 7 min read

مرعي ومفرش السوق .
قصة قصيرة .
علوي بن محمود .
ليس الصخب ان ترفع من صوت عقيرتك وليس طربا ان لم يتوزع بين المد والوقف وليس المد بأمثل من الجزر طالما البحر يستمتع بالسكت.
لم يدخر مرعي بن سالم وسعه في ابتغاء الرزق وكانت احلامه كبيرة لكن حظه كان اقل منها بكثير ولربما كان الزمن الذي هو فيه يعرف لمن يبتسم ولمن يكشر انيابه ومن يغرز فيه مخالبه يمزقه وهو لايزال حيا
بدأ مشوار مرعي من الشارع التجاري يحاول ان يستأجر محلا يجعل منه مجرد بقالة لكنه تفاجئ بأن ملاك العقار المباشرين يطلبون نقل قدم يبلغ عشرات الألآف من النقد الاجنبي والفين كأيجار شهري رغم ان العرف ان نقل القدم يذهب من مستأجر الى اخر وان يكن شرعا يبلغ درجة الحرام لانه بيع لما لايملك
لم يكن بوسع مرعي عمل البقالة فمهما بلغت مبيعاته وارباحه لن يتمكن من جمع الفين اجنبي في كل شهر ناهيك عن نقل القدم
وذهب يروم بسطة في احد المولات ليطلب منه عشرة الآف نقل قدم وثلاث مئه كأيجار من النقد الاجنبي
صرف مرعي اهتمامه الى سوق الخضار ليجد التجار هناك يحتكرون السوق ومصير من يدخل المنافسة الأفلاس ان لم يكن مضمرا كبيرا وصاحب رأس مال قوي ليتمكن من كسر الاحتكار وانتزاع حصة من مداولات السوق
ومن سوق الخضار الى سوق السمك والخصار ليواجه مرعي صدمة ان تجار السمك اصحاب الدينات المبردة التي يدعونها طنجات يشترون السمك بالنقد الاجنبي ويصدرونه للخارج دافعين بكل سرور ضرائب المرور الى خارج البلاد طوال الطريق فالربح يغطي التكلفة وزيادة ليهنى الاجنبي بنتاج البحر اما ابن البلد فليس له الا ان يحكي للاطفال عن زمان وصيد زمان
وكمحاولة اخيرة توجه مرعي الى السوق الشعبي يروم افتراش الارض بما تيسر من بضاعه ليجد الأماكن كلها محجوزه ومدفوع ثمنها سلفا وان افتراشها ليس بالمجان بل لها اجرة يومية معلومه تذهب للمعلوم من الناس
حمل مرعي همومه وذهب الى بيت جدته والدة امه تلك الأرمله التي علمتها السنوات ان تعطي الحنان في زمن تائه حد الجنان
سلام ياجدة حيا مرعي جدته وتناول كفها وقبل رأسها كما يقتضي الواجب والعادة وان يكن مرعي يفعله بكل الحب فلم تقصر الجدة معه في شيئ وهو ذاك اليتيم الذي اخذه والدة بعد وفاة امه ولم يرعه كابن بكر بل انشغل بزوجة اخرى واطفال جدد ولم يكترث كثيرا حين غاب مرعي عن البيت ايام وليال ونقل سكناه الى عند جدته فقد كان ابوه لايثمنه حتى بريال واحد من العملة المحلية
اراح مرعي راسه في حجر الجدة الذي اخذت تدهن شعره بزيت السمسم واخذت تقول
مالك ياولدي ماتدهن راسك وتمشي بين الناس اشعث
يجيبها مرعي آخ ياجدة البال مشغول والسوق مجحود وايش بيسوي العبد لله
ترد الجدة اصبر ياولدي تراني اشوف فالك الثريا ونجمك بيهل قريب
يتأوه مرعي ويقول مصدقك ياجدة الا السوق كذاب وفاجر
تجيبه الجدة ايه خلاص فتحت لليأس بابك هيا اسمع من جدتك هنيه من بكرة توجه بقلبك وشل زادك واطلع الى جبل المقمر هناك بتحصل رجال شيبه من اهل اول وعنده حكمه وبصر والبصيرة نافذه وله نظره في الدنيا عساها ماتخيب
تقبل مرعي كلام جدته بقلب منشرح وفي الصباح توجه الى الجبل ووصل الى دار الرجل العجوز قريبا من وقت العصر استقبله العجوز بالترحاب قائلا هلا بمن جاء هل ضيف ام عابر سبيل
احتار مرعي بما يجيب لكنه اجاب بل عابر سبيل ياحاج
ابتسم العجوز ورد قائلا كلنا فيها عابر سبيل ياولدي الا انك ضيفي الليلة وفي الغد تذهب في سبيلك الي كتبها لك الله
وهاان بعد تناول العشاء يسامر الشيخ ضيفه على كاسات وابريق شاي
ليسئل الشيخ مرعي هاه ياولدي ايش جاب دربك لعندنا
يجيبه مرعي سلامتك ياحاج الاالدنيا ضاقت علي والسوق افاك جبار وجدتي هنيه قالت اجي لعندك
يستفسره الشيخ هنيه من ؟وراها من ؟هل هي بنت مرتضى ذي تزوجت عند اهل فرج؟
يجيبه مرعي نعم هي
يواصل الشيخ كلامه والنعم ببنت مرتضى ووآل فرج كلهم وجوه خير لكن انته ياولدي قلي ايش بغيت
يجيبه مرعي بغيت الستر والعافية والخير والبركه الا السوق مايدخله الا القوي وانا زنودي رهيه
يبتسم الشيخ ويقول ياخير بك وبجدتك ذي زرعت فيك كل خير من بغى الفضيلة ياولدي بايتعب الا الدنيا بغت صبر وانته بغالك راس مال وضمار لكن اسمع مني وانا بعلمك شف البيع والشراء عحسب العرض والطلب والثمن والتسعير على حسب المشتري وياالله بحسن السوق ولاحسن البضاعه فهمتني او لا
يجيبه مرعي فهمتك وكلامك في خاطري قبل ذهني
يكمل العجوز كلامه اذن من الغد شل حماري حنبص واسرجه على العربة وانزل الى بطن الوادي ولقط الحجار الفصوص ذي حجمها كما حجم الريال وكل يوم جيبلك حمله حصى من الصبح للظهر ومن بعد الغداء الى العشى فرشلك بسطه على الطريق واللقى عندي بعد سنة تدفع لي اجرة الحمار والعربة عُشر ماربحته ولاتيأس ولاتمل ولاتجيني قبل السنه سمعتني او لا
يجيبه مرعي سمعتك ياحاج سمعتك لكن ايش من ناس ذي يشترون الحصى
اجابه الشيخ بيشترون وهم يضحكون لكن لاتنسى السوق عرض وطلب والثمن عحسب المشتري ومن شل حقه اولي يدفع امثاله في ذي تلي
يجيبه مرعي لكن ياحاج منين لي ادفع المعلوم لأهل العلوم واكتري مالا ينكري
يبتسم العجوز مجددا ويقول ياولدي هي الارض لمن الا لله وحده انته بسط وقل يالله ولاتخاف من آدمي مابتدخل لقمه منك في جوف حد الا اذا ربك اذن وانته ياولدي ان بتصدق كلامي كما صدقت كلام جدتك بتحصل الخير والبركه
يتفاجئ مرعي ويسئل الشيخ بفضول ولهفه وانته ايش دراك بكلام جدتي لي
يبتسم الشيخ ويجيبه بهدوء انا عرفت جدك مرتضى واعرف كلامه كما يعرف السيل طريقة ولو بعد مية عام هذا انته قدامي واشوف نجمك السعود الا بعد عام شي صبر منك او ماشي
يجيب مرعي صبرنا ياحاج وكم بنصبر والعمر يمضي عام بعد عام وانا شوفك ياحاج واسمحلي شوفك قدامي بياض كما بياض الغيم يوم يأتي من تجاه البحر ويمطر بعدها على الوادي العطيش فسبحان من اخرج العذب من المالح سبحان سبحان
يتأمل الشيخ وجه مرعي برضا وسرور ويقول والنعم فيك يابقية مرتضى والهنيه عسى اهل السلف كلهم في ظهرك وعسى ربك يسهلها بمقدار
وانقضى السمر وذهب مرعي الى النوم مرتاح البال وفي الصباح بعد الفطور يودع مرعي الشيخ العجوز الذي يوصيه لاتنسى كلامي ووصاتي والله الله بحنبص لاتحرمه قوت يومه وسلم على جدتك هنيه وزد سمع مني عاد ابوك بيقول آه ياولدي وانته وشورك عندها لكني شوف فيك خير وان كان لمن لايستحق
هز مرعي رأسه موافقا على كلام الشيخ وكان ذاهلا احقا سيذكرني ابي يوما ما ونفض عنه السرحان وقال في نفسه يفعل الله مايريد
ومضى وحنبص الى بطن الوادي وجمع احجارا ملئ العربه وعاد الى المدينة واختار موضعا في الشارع العام وانزل الحصى فيه ثم توجه الى دار الجدة
التي تفاجئة بمرعي يفك العربه عن الحمار الذي جلجل نهيقه ارباع الدار
رحبت الجدة بمرعي قائلة هلا بولدي باين اول الخير حمار
ضحك مرعي وهو يسلم على جدته ويقول هذه وصاتك ياجدة عسى ربي لاتخيب ويجعلنا منها خير
تجيبه الجدة خير كله خير
يتغدى مرعي مع جدته ويطعم الحمار وينطلق الى حيث كوم حصاه في الشارع ويفترش الارض على حصير قديم من بيت الجدة ويرص الحجار كومات صغيرة وحبات منفردة يمر به الناس يتجاهله بعضهم ويشفق عليه اخرون واخرون يبايعونه ساخرين بكم الحصاة وبكم الكوم يتفرس مرعي في وجه المشتري متذكرا كلام الشيخ ويجيب بثقة الحصاة بعشرة والكوم بميه
يمضي الناس حوالي مرعي ولامشتري وتكرر هذا الحال لايام واسابيع وشهور ومرعي يجد كل يوم بجلب الحصى من الوادي وافتراش الارض الى العشاء وكان ممن يمر عليه اصحاب المعلوم من الناس يتأملون مرعي وبضاعته ويمضون يأسين من ان يقبضوا منه احمر ولااصفر وليس لهم حاجة بالحصى
تتناقل الناس اخبار مرعي وينعتونه بالجنون ويصل الخبر الى ابيه الذي يقلب كفيه حسرة وندامه ويقول ماشي فايده من صهارة آل فرج ولامن قوم مرتضى
تمر الايام وهاان العام يكمل دورته الا من بقية ثلاث ايام وتزف الاخبار ان سمسارا كبيرا من علية القوم قادم الى المدينة مع وفد كبير ليبرم صفقة كبرى لبيع غلال الارض والبحر والعقار الى قوم شطار من خارج البلاد
تتناقل الناس اخبار الصفقة وتتصاعد الانفس بالغليان والكل يخشى الغد ياخوف فؤادي من غدي ويدرك الكل ان هذه الصفقه هي الطامه الكبرى والضربة اليسرى الفنية القاضيه التي ستصرع المدينه ومن فيها ولن تقوم لهم قيامه بعدها
تسربت اخبار الغليان الى السمسار الذي قرر بحصافة دخول المدينة بعد العشاء على امل ان يذهب الناس الى بيوتهم وينامون غافلين عن تسلله
يتفاجئ مرعي ببسطاء الناس يتوافدون الى مفرشة يرومون شراء حصاة او كوم حصى ويسئلون بكم ياابن الناس بكم
يجيبهم مرعي بعفوية السعر هو ذاك ماتغير الحصاة بعشرة والكوم بمية
ويشتري الناس ويمضون وهاان كبار ملاك العقار وتجار السمك والصيادين وتجار سوق الخضار يتوافدون على مرعي ويبايعون بكم ياابن العم بكم
يتفاجئ مرعي بوجوه يعرفها عز المعرفة ويقر في اذنيه كلام الشيخ ويجيبهم السعر هو ذاك ماتغير الحصاة بمية والكوم بألف ويضيف من النقد الاجنبي
يبتسم اولاءك من سعة ويقهقون ضاحكين ويجيبون واحنا اشترينا
ولم يأتي وقت العشى الاومرعي باع كل ماجمعه من حصى طوال عام كامل الا قليل
واصطف الناس كبيرهم قبل الصغير على جانبي الطريق العام وماان هلا موكب السمسار والوفد المرافق له بسيارتهم الفارهه الا والناس تقذفهم بالحصى من كل حدب وصوب تقرقع الحصى على سقوف السيارات وزجاجها المصفح وينادي السمسار رجاله عبر جهاز الارسال عطفوا ياجماعه ذولا بضاعتهم حصى ولاشي بيع بيقع منهم
ليلتف الموكب خارجا من المدينة تلاحقة رميات الحصى ولعنات الناس
لكن السمسار يموت وصوابعه بتلعب على المزمار ومضى يفكر بخطة جديدة تعينه على الوصول الى هدفه الكبير
يمضي مرعي الى جدته مسرورا بما جمع من قروش وبييسات كثيرة من النقد المحلي والاجنبي وتبات الجدة تشكر الله على الخير والبركة التي انعم بها على مرعي ولم تتركة ينام الا بعد ان احتسب عُشر ماكسب اجرة الحمار حنبص والعربة نصيب الرجل العجوز كما كان الاتفاق قبل عام
ومن الغداة حمل مرعي عربة حنبص بشوالات الرز والدقيق والزيت وسلال من الخضار والفاكهه وخروفين جميلين وحاوية مبردة بخيرة صيد البحر يروم تقديم كل ذلك هدية للرجل العجوز
ويصل مرعي الى الجبل قريب العصر ويستقبله العجوز بالقول ياحيا بمن جاء ضيف او عابر سبيل
يجيبه مرعي ضاحكا بمرح بل ضيفك الليلة وغدا عابر سبيل
يبتسم الشيخ ويرد قائلا كلنا فيها عابر سبيل
ويقترب من حنبص مملسا على عرفه ورقبته ويسائله عادك ذاكرنا او نسيت
ينهق حنبص كأنما يجيب وكيف انسى كيف انسى
على السمر وحوالي ابريق الشاي والكاسات يسأل العجوز مرعي الآن قلي حقي وسلمته لي جزاك الله خير وحنبص عاد لي سالم كما يوم شليته لكن انته ايش بتعمل بنصيبك ياولدي
يجيب مرعي والله ياحاج مانا داري ايش سوي الا في نفسي اعمل شركة مقاولات للهدم والتعمير واشتري ونش وشيول ودكاكه والحمدلله الخير ذي جاني بيكفي ويزيد
يبتسم الشيخ ياخير بك ياولدي يازين مافكرت ماشي تعمير بيقع من دون تهديم هدم وابني يامرعي هدم وابني وامضي على بركة الله
في الغد يمضي مرعي الى المدينة ويشري حوشا مايكفي معداته ومركباته ويباشر شراء التجهيزات وتنهال عليه عقود العمل ويمضي الايام مستورا مجبورا
ليتفاجئ يوما بوجه ابيه وسط محل عمله وهو يناديه آه ياولدي آه يامرعي
يخفق قلب مرعي بشده ويتردد صدى صوت الشيخ في اذنيه وينكب على خزنته ويجمع رزم من المال بالنقد الاجنبي ويلفها بكيس دعاية فاخر عليه اسم مؤسسته وشعارها ويناوله اباه الواقف هناك بذهول ويقبل راسه ويقول له لاتقول شي ياباه خذ مافيه النصيب لزوجتك وعيالك روح الله يسامحنا ويسامحك .
انتهت .
علوي بن محمود
Comments