قصة قصيرة / المصير / للقاص عادل عبد الله تهامي السيد علي/ مصر ,,,,,,,,,,,,,
- وهاب السيد
- Oct 10, 2024
- 2 min read

(قصة قصيرة)
" المصير "
قال في تعجب : هل علمت الملائكة الغيب ؟!
كان صغيرا لم يتعد العاشرة من عمره ، يجلس بين يدي جده الذي بلغ من العمر عتيا ، يستمع بشغف لحكاياه التي يغلفها بعنصر التشويق ، ويضيف إليها الإثارة.
اعتذر الطفل لأصدقائه عن اللقاء عبر هاتفه النقال مفضلا استكمال القصة ، ومعرفة تفصيلاتها .
أحضر جهاز التسجيل وقربه من الجد ، ثم أعطاه إشارة البدء في السرد..!
نظر الجد نحوه مع ابتسامة غطت وجهه الذي انتشرت فيه ثنايا جلدية متشققة ، وعينين أشبه بثقبين ضيقين
كان صوته ضعيفا واهنا يتخلل حكاياه
تجشؤ وزفرات تنم عن الاجهاد والتعب، ولكن تلاقي الرغبة بين الجد والحفيد هونت كل شيء..!
كان الجد يحمل روحا تحب الحياة،وقلبا
يتسع لعالم كبير ،يصاحب حكاياته ما يشبه الموسيقا التصويرية المعبرة يصيغها بفمه حين تستدعي الأحداث ذلك.
يستمع الطفل بشغف ويضرب كفا بكف
متساءلا عن سبب الجريمة الشنعاء قائلا:
كان العالم واسعا رحبا يتيح التحرك في كل الاتجاهات بحرية ،فكيف تجرأ وفعل
جريمة ليس لها مبرر ؟!
قال الجد وهو يذم شفتيه :
أدرك الذنب ولكن بعد فوات الأوان ، فحمل جسد أخيه لايدري ماذا يفعل به
حتى بعث الله الغراب ؛ ليعلمه كيف يواري سوءة أخيه.
أزيز طائرات تعود سماعها تشوش على
قدرته في الإنصات ، ولكنه يشتاق لاستكمال الحكاية يشوبه الخوف من حالة الجد الصحية ؛ فيحثه على الاستمرار دون توقف..!
يرتج البيت الذي يقبع فوق التل ،ولكنه
يقاوم الاهتزازات التي تزلزل الأرض ،
كان البيت من دور علوي واحد، فوق باحة واسعة يتم استخدامها لاستقبال المئات للتشاور والاتفاق على قرارات مصيرية ،وكانت مكانة الجد وأبنائه تحفز أهل القرية على الزيارات والبحث في كافة الأمور حتى أضحى كمقر القيادة لجموع من شعب القرية الذي تعود اللحمة والتعاضد.
من شرفة البيت شاهد منظرا خياليا ،
جبال وسهول ووديان ،وطرق ثعبانية
تنطلق فوقها حافلات ، وطرق أخرى يتخذها الرعيان لجر قوافل من الأغنام
والأبقار والحمير .
تبدو الصورة صغيرة للغاية ، وتكمل معرفته بتضاريس المكان تجسيدها بإضافة ماينقصها من معلومات..!
الراعي يهش على غنمه ويحفظ انتظامها والكلاب الحارسة تتخذ أماكنها
في المقدمة والخلف والأطراف ، يقتربون بأعداد لا حصر لها ،ويصعدون التل ويدخلون دون استئذان إلى الحديقة الشاسعة للبيت الكبير ، وينتشرون في غبطة يتناولون الحشائش والكلأ ،ويتنعمون بالظل الوارف تحت الأشجار كثيفة الأوراق.
يشير الجد إلى الأعداد الغفيرة ويهمس
لحفيده قائلا :
رغم أعدادها الهائلة وتكوينها الجسماني القوي ولكنها لا تستطيع دفع الضرر عن قطعانها ، واستطرد قائلا:
هذا الراعي يرفع عصاه فيأتمرون بأمره
ويقودهم حيث يأكلون ويشربون ،إنهم
يدينون له بالولاء ، رغم أنه يوجع ظهورهم بسوطه..!
والتفت الجد إلى الناحية الأخرى حيث السيارات تلتهم الطرق الجبلية بسرعة
خاطفة قائلا:
أما هؤلاء فيمتلكون القدرة على تغيير الواقع ،فيكفي أن كل منهم يقود سيارته بنفسه ..!
كان الحفيد يفكر في كلمات جده ويراقب المنظر الساحر وطرقه تشق الجبال ويدرك المغزى وراء موقع البيت
التاريخي ويعرف أن حكايات الجد كانت
خبرات متراكمة يستخدمها العقلاء في فك طلاسم وشيفرات وألغاز ظلت مستعصية على الحل..!
أغمض الجد عينيه واستسلم لسلطان النوم بينما جلس الحفيد يفكر ويفكر
يحفر على جدار البيت إسم الجد ولقبه
ويكتب التاريخ بالهجري والميلادي والقبطي، ويزيل ماكتبه بتوقيعه الذي
استحدثه أخيرا باللغة الهيروغليفية.
عادل عبد الله تهامي السيد علي
مصر
Comments