قصة قصيرة / العودة الى الحياة / لأدارة صحيفة فنون الثقافية الكاتبة انتصار الحسين / العراق ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
- وهاب السيد
- Oct 17, 2024
- 3 min read

العودة إلى الحياة
قصة قصيرة
للكاتبة / انتصار الحسين/ العراق
أمسكت بيدها المشرط، مصممةً على إنهاء حياتها التي تراها مأساوية. فقد تخرجت ولم تحصل على وظيفة، وكَبُرَت دون أن تتزوج، وعملت ولم تنجح، وحتى علاقاتها مع أحبائها دائمًا ما تنتهي بالفشل والفراق.
كانت تنظر إلى يدها بعزم، وتمسك المشرط بيدها الأخرى وهي ترتجف. كانت تنظر إلى الطريق، إذ لم تكن تريد أن يمنعها أحد، بينما كانت تهتز كل شجرة في مهب الريح، ودقات قلبها تتسارع وشفاهها ازرقت من الخوف. لكن عقلها الباطن كان مُصِرًّا على أن قطع شرايينها هو الحل الوحيد.
بينما كانت جالسة على المقعد الخشبي قرب الجسر الذي نوت أن ترمي منه بنفسها، بعد قطع شرايينها، تنظر إلى الماء تارة وإلى يدها تارة أخرى.
سرحت قليلًا، فتذكرت مشهد والدتها التي تحتقرها وتصغرها أمام بنات خالتها والجيران الذين تزوجوا وتوظفوا، بينما تعيد مشهد الألم الذي تعيشه حين تراهم يبتسمون، بينما أمها تعنفها وتستهزئ بها وتقلل من قيمتها.
عادت إلى وعيها، وأغمضت عينيها بشدة، وضغطت على المشرط، مُعلِنةً نهاية المطاف.
فجأة، إذا بصوت خافت يقول في أذنها: "انتظري!" ويد صغيرة باردة أمسكت بيدها وأوقفتها.
"انتظري، لا تفعلي ذلك"، هذا ما سمعته.
فتحت عينيها، فإذا بها ترى فتاة في نفس عمرها تجلس على عربة للمعوقين، نحيلة جدًا بعيون سوداء ووجه حنطي مصفر.
"اتركيني!" صاحت، "من أنتِ؟ دعيني وشأني!"
ردت الفتاة المعاقة: "أنا كوثر، وأنتِ ما اسمك؟"
"ارجوكِ، اذهبي، أنا لست بخير ولا أريد التحدث مع أحد".
"كوثر: هل تنوين الانتحار حقًا؟"
"لما: لم يتبق لي خيار، أنا متعبة جدًا ولا أرى جدوى من الاستمرار".
"كوثر: ما اسمك؟" "اسمي لما".
"كوثر: أنا لا أريد أن أوقفك، افعلي ما شئت لكن أريد أن أعرف لماذا؟"
"لما: هل يهمك كثيرًا؟"
"كوثر: نعم، أحب ذلك. لن تخسري شيئًا، بعد قليل ستموتين وتنسينني تمامًا".
شرحت لما كل ما ينقصها ويؤذيها لكوثر.
"كوثر: حسنًا، أنتِ محقة، انتحري".
"لما: ألم أقل لكِ أن حياتي صعبة؟"
"كوثر: لكن أريدك أن تسمعي قصتي قبل ذلك".
"لما: لا وقت لدي، ستبحث عني أمي، أريد أن أنهي الموضوع".
"كوثر: أرجوك، باختصار".
"لما: حسنًا، لكن بسرعة".
اسمعي، يا لما، كنت تذهبين للمدرسة، أما أنا فبصغري كنت أشد مرضًا إضافة إلى إعاقتي، فلم أذهب. كانت أمنياتي أن أرى المدرسة، وأن أحمل حقيبتي وأركض نحوها وأنا أمسك أقلامي، ويتدلى شعري المربوط بشريط أبيض.
لما! أنتِ دخلتِ الجامعة وتخرجتِ.
بينما أنا كنت لسنوات أجلس في عربة حديدية، أتنظر من يدفعني لكي أرى الشارع.
لما! أنتِ فشلتِ في تجربة بالعمل.
أما أنا، فغاية أمنياتي كانت عربة كهربائية أخرج فيها بنفسي دون مساعدة.
لما! أنتِ تحزنين من كلمات تُقال لكِ لأنك لم تتزوجي بعد.
أما أنا فلا يمكن أن أتزوج أبداً، ولا أن أنجب أطفالًا، فأنا حتى لا أستطيع إعانة نفسي، فكيف أعين زوجي وأطفالي؟
لكنني لم أفكر يومًا في الانتحار، فالله لم يخلقنا لننهي حياتنا بأيدينا.
أنا أحاول فعل ما أستطيع ضمن قدرتي، وأعمل على تطوير ذاتي. تعلمت الكتابة والقراءة في البيت، وأجلس على الكمبيوتر لأصنع إعلانات للمنتجات، وأعمل في البيع عن طريق الإنترنت، فقط بتسجيل الطلبات والحجز.
أجمع بعض المال ثم أذهب مع صديقات تعرفت عليهن عبر الإنترنت لدور الأيتام، نسعدهم بهدايا بسيطة الثمن ونلعب معهم ونفرح بقربهم.
شغلت نفسي ووقتي، ولم أترك لنفسي مجالاً للاكتئاب، ولم أدمّر نفسي.
أنا موجودة، إذن أنا أستطيع.
الله لم يخلقنا سواسية، وجعل بيننا فوارق في الشكل والجسد والمال.
لكنه وحّد فينا وجود العقل والعاطفة والروح.
فنحن من نربي الخير والشر فينا، ونحن من نجعل من أنفسنا عالة على الآخرين، ننتظر عطفهم ومساعدتهم، أو نُصقل أنفسنا على الإصرار على سلك الطريق وصنع عالمنا الخاص الذي يشبه البيت في تكوينه.
فالبيت إن أهمل، تراكمت فيه الأوساخ، وهراء أثاثه، وتأكلت جدرانه، وأصبح خاوياً كئيباً، تنبعث منه الروائح الكريهة، ولا يحب أن يسكنه أحد.
أما إن اهتممنا به وبنظافته وتجديده قدر المستطاع، فسيصبح مشعاً بالحياة، يفرح بدخوله الزوار.
وأخيرًا، يا لما، من ينتظر نظرات العطف، وينتظر من الناس أن تمدحه، لن يرتاح، لأنه ربط مصيره بمزاج الآخرين المتقلب.
عليكِ أن تحبي ذاتك، وتعملي لذاتك، وتنمي ذاتك بنفسك.
إن الله لم يخلقنا عبثًا، فلكل إنسان رسالة عليه أن يؤديها، فالإنسان يُولد بمفرده ويعيش بمفرده، ويلاقي ربه بمفرده.
أما الزواج والعلاقات فهي أنس الدنيا واستمرارية البشر، وليست لب لمعنى الوجود.
قالت لما: أتعلمين، يا كوثر، أنكِ أعطيتني درسًا لم تعلمنياه المدارس والجامعات؟
الآن أدركت أن الثقافة ليست شهادة ودرجات، إنما هي إدراك وفهم وتطوير الذات.
من اليوم سأتخذك قدوة، وستكونين صديقتي المقربة إن سمحتِ بذلك.
كوثر: بكل سرور، سعيدة بعودتك للحياة.
Comentarios