top of page
Search

قراءة نقدية في قصيدة / بين الحقيقة والسراب للشاعرة أمل الدليمي / رؤية نقدية للناقد سمير اليوسف ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

  • Writer: وهاب السيد
    وهاب السيد
  • Apr 22
  • 4 min read



"بين الضوء والظل: القصيدة بوصفها حوارًا مع الغياب"

قراءة في قصيدة

"بين الحقيقة والسراب" لأمل الدليمي

بقلم: سمير اليوسف

حين يُكتب الشعر من مكانٍ عميق في القلب، يصبح أكثر من مجرد كلمات... يصبح خيطًا سريًّا يمتدّ بين وجدان الشاعرة وقلوب القرّاء، يهزّهم بعذوبته، ويؤلمهم بصدقه، ويتركهم معلّقين بين الحلم والفقد. هذا ما تفعله الشاعرة العراقية أمل الدليمي في قصيدتها "بين الحقيقة والسراب"، حيث تستدرجنا منذ العنوان إلى فضاءٍ متوترٍ تتداخل فيه الرؤية والضباب، ويشتبك فيه الأمل بالخيبة، والاشتياق بالاستحالة.

تبدأ الشاعرة أمل الدليمي بنداء عاشق ينبض رجاءً وحنينًا: "متى تشرق بنور وجهك لتنير دربي وأشعر بدفء هواك"، وهو تصوير شعري بديع يجسّد وجه الحبيب على هيئة شمس تُضيء الطريق، وتبعث الحياة في النفس، وكأن وجوده وحده قادر على إزالة العتمة الداخلية. في هذه الصورة يتحول الوجه المحبوب إلى نقطة ضوء كونية تحرر الذات من التيه. غير أن هذا الوهج سرعان ما ينكسر أمام واقع الهجر والغياب، إذ تقول الشاعرة: "ازداد بردًا بهجرك جفَّت أيامي من غيث حنانك"، وهنا تشكل الصورة الشعرية لوحة وجدانية شديدة الكثافة، حيث يتجلى الجفاء على هيئة برد قارس، وتُصوَّر الأيام كأرض عطشى جفّ ماؤها بغياب الحبيب. إنه مجاز تتفاعل فيه عناصر الطبيعة مع المشاعر الداخلية، فيتحول الحبيب إلى فصل كامل، والهجر إلى مناخ داخلي يجمّد الوجود ويشلّ نضارة الحياة.

تنتقل الشاعرة أمل بعد ذلك إلى تصوير أثر هذا الفقد على الجسد والروح، فتقول: "تصرخ نبضات قلبي شوقًا لرؤياك"، وبهذا التجسيد تكون "النبضات" فاعلًا حيًّا يتكلم ويصرخ، في صورة فنية حيث تتجلى في القصيدة حالة من الإضاءة الداخلية التي تضيء الطريق في ظلمة القلق والحيرة. حيث تنقل لنا الشاعرة هنا تجربة ذاتية تنبض بالعاطفة والحيرة، فيشعر القلب كأنه يضيء فجأة دون سبب واضح، وتظل هذه الإضاءة، على الرغم من غموضها، تدفع الشاعرة إلى المزيد من البوح والبحث عن الأمل. هذه العاطفة المكبوتة التي تتراقص بين الألم والانتظار، تُعبِّر عن حالة من التوهج الداخلي الذي لا يتطلب تفسيرًا منطقيًا، بل هو نتيجة لتفاعل الروح مع معاناتها وأشواقها. تستعيد قوة التشخيص في الشعر الصوفي، حيث تُمنح المشاعر أصواتًا وأفعالًا وأجسادًا.

لكن ما يجعل النص يتجاوز البعد العاطفي المباشر هو اعتماده المكثف على المجاز والتشخيص. المحبرة تبكي، والحروف تذرف الدموع، والقصيدة لها نافذة يُلقي منها الصباح نفسه، في مشهد سوريالي صادم: "بكت محبرتي حزنًا وسالت دموع حروفي على سطور أوراقي"، ثم: "مثل صباح رمى نفسه من نافذة قصيدتي". هذه الصور ليست فقط استعراضًا بلاغيًّا، بل هي انعكاس صادق لتحوّل الأداة الفنية إلى شاهدة على الألم. كل عنصر في القصيدة ينوء بثقل الفقد: القلم، الورق، المحبرة، وحتى الحروف. وهنا يتعمق المعنى أكثر، فالأدوات التي من المفترض أن تخلّد الحبيب، صارت عاجزة عن حمل الحزن، فانفجرت بالبكاء.

ومن أبرز الصور الشعرية كذلك ما جاء في: "تقطعت أوتار عودي بهجرك". هنا يتحول العود من آلة موسيقية إلى رمز للذات، والموسيقى إلى امتداد للحياة، لكن بهجر الحبيب، تنقطع الأوتار، فينقطع الصوت، ويُخرس اللحن. هذه الصورة تجسّد بدقة تامة أثر الحزن على جوهر الوجود الإنساني، إذ لم يعد الإنسان قادرًا حتى على التعبير الفني، وصمتُ العود هو صمتُ النفس.

ثمّة انتقال درامي جميل يحدث في منتصف النص، حين تقول الشاعرة: "يوقد الحب خلايا العاصفة فيعود الشعر مكتوبًا"، وهي لحظة أشبه بالبعث أو الانبعاث من الرماد. الحب، رغم الألم، يُوقظ الطاقات، ويعيد الحياة للقصيدة. إن هذا الانقلاب في السياق العاطفي يجعل النص يجنح إلى التفاؤل الخادع، لكنه سرعان ما يرتدّ إلى اليأس، حين تقول: "لن نلتقي". هذا التذبذب بين الحلم والانكسار، الأمل واللاجدوى، يجعل من القصيدة مساحة وجودية تمور بالتوتر الدائم. ويذكرنا هذا بالمناخ النفسي في شعر بدر شاكر السياب، وخاصة في قوله: "لست أدري هل أضعتُ الطريقَ إلى بيتنا؟ أم أضعتُ الطريقَ إليّ؟".

ومن اللافت كذلك أن الشاعرة لا تكتب فقط من معاناة امرأة تجاه رجل، بل تتجاوز هذا الإطار التقليدي لتطرح أسئلة فلسفية أوسع: هل ما ننتظره حقيقة أم سراب؟ هل الطريق إلى الحب موجود فعلًا أم أنه مجرد فكرة شعرية نحتمي بها؟ في قولها: "بين الحقيقة والسراب ما عرفت إليك طريقًا"، تضعنا الشاعرة أمام مأزق معرفي وجودي عميق، يجعل من الحب مجازًا أكبر للمعرفة، للمعنى، وربما للوجود ذاته. وهي بهذا المعنى تقترب من مواقف الشعراء المتصوّفين الذين رأوا في البعد عن المحبوب طريقًا للبحث عن المطلق، وعن الذات الحقيقية.

اللغة المستخدمة في النص، رغم بساطتها الظاهرية، إلا أنها محملة بالشحن العاطفي، وتستخدم الرموز والمجازات دون أن تقع في التعقيد المفرط. ثمة رقة وانسيابية تنساب بها العبارات، مدفوعة بإيقاع داخلي يحاكي خفقات القلب، لا يعتمد على الوزن الخليلي الصارم، بل على موسيقى داخلية تنبع من التكرار والتوازي والتصعيد العاطفي. كلمات مثل "وحيدة"، "بهجرك"، "منيتي"، "السبيل"، كلها كلمات تنتمي إلى حقل شعوري موحّد يُعزز التجربة الكلية ويمنحها وحدة عضوية.

أما اللمسة الفلسفية في القصيدة فتتجلى بشكل خاص في المقطع الختامي: "كيف السبيل إليك لنلتقي". هنا يصبح اللقاء، رغم بساطة الكلمة، استعارة لحقيقة ضائعة، ولخلاص مستحيل. يصبح السؤال عن الطريق هو سؤال عن الوجود، وعن معنى الحياة في ظل غياب اليقين. والقصيدة، بذلك، تظلّ معلقة بين الضوء والظل، بين الصبح الذي رمى نفسه، والليل الذي لا ينقضي.

في ضوء هذا كله، نستطيع القول إن قصيدة أمل الدليمي ليست مجرّد شكوى عاشقة، بل هي بناء فني متكامل يمزج بين العاطفة الخالصة والتقنيات البلاغية، ويُجنّد التشخيص والاستعارة والتكثيف الرمزي ليشكّل كونًا داخليًا متكاملًا يعكس توتّر الذات المعاصرة بين ما ترجو وما تدرك أنه لن يكون. إنها قصيدة حبّ، نعم، لكنها أيضًا قصيدة فقد، قصيدة معرفة ناقصة، وحلم متعذر.

وبهذا، فإن القصيدة تضع القارئ أمام مرآة من دخان، لا يرى فيها صورة ثابتة، بل انعكاسًا متحوّلًا يختلط فيه العشق بالوهم، والكتابة بالدمع، والشعر بالموت. وكل ذلك يتم بلغة ناعمة حزينة، تتسلل إلى القلب دون استئذان، وتستقر فيه لتقول ما لا يُقال، وتبكي بصمت كل القصائد التي لم تُكتب، وكل اللقاءات التي لن تأتي.

(بين ألحقيقة و السراب)

بقلم: امل الدليمي / العراق

متى تشرق بنور وجهك

لتنير دربي وأشعر بدفء هواك

ازداد بردا بهجرك جفت أيامي

من غيث حنانك.............

تصرخ نبضات قلبي

شوقا لرؤياك..........

كيف أستريح ونار

الشعر تحرقني

بكت محبرتي حزنا

وسالت دموع حروفي

على سطور أوراقي

لا تتركني وحيدة

دعني أرمم لحني الاخير

تقطعت أوتار عودي

بهجرك..............

يا منيتي وسر سعادتي

يا حلمي الاوحد متى

نلتقي..............

يوقد الحب خلايا العاصفة

فيعود الشعر مكتوبا

أجتاز بعض الغيوم اليك

والقاك...............

مثل صباح رمى نفسه

من نافذة قصيدتي

الروح تركب بساط الريح

خيالا تحملني فانتشي

لن نلتقي.............

بين الحقيقة والسراب

ماعرفت اليك طريقا

كيف السبيل اليك لنلتقي

 
 
 

Comments


موقع فنون الثقافي

©2024 by موقع فنون الثقافي . Proudly created with Wix.com

bottom of page