قراءة نقدية في النص الشعري / سطع النور / للشاعرة مجيدة محمدي / للناقد حيدر الاديب ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
- وهاب السيد
- Oct 3, 2024
- 3 min read

المهيمن الشعري إزاء المهيمن الصوفي
قراءة في نص سطع النور للشاعرة مجيدة محمدي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ترتكز التجربة الصوفية على السعي للوصول إلى الحقيقة الإلهية، وهي تقوم على مكابدة الذات وتطهير الروح من شوائب المادة للوصول إلى حالة من الانكشاف والتجلي الروحي. الكشف الصوفي هو تجربة روحية خاصة يعايشها المتصوف على مستوى عميق من الاتصال الإلهي. اللغة في هذه الحالة تكون وسيلة لنقل تجربة تذوب فيها الأنا الفردية في حضور الإله أو المطلق، ويصبح فيها العالم الخارجي مرآة للبحث عن الذات ومعرفة الحقيقة.
في النص، نلاحظ تجلي الحالة الصوفية في عبارات مثل: "أرتق ما اتسع من الفتوق"، والتي تدل على عملية إصلاح روحي داخلي. الفتوق هنا قد ترمز إلى الفجوات الروحية أو النقائص التي يسعى المتصوف إلى ملئها. أيضًا، التعبير "فيسطع نور خفي" يعكس انكشافًا صوفيًا، حيث النور الخفي يرمز إلى التجلي الروحي الذي لا يُرى بالعين المجردة، بل يُدرك بالقلب والروح.
في المقابل، الحالة الشعرية تعتمد على اللعب باللغة لتصوير الأحاسيس والمشاعر والرموز بشكل جمالي. الشاعر لا يسعى بالضرورة إلى تحقيق كشف روحي، بل إلى اكتشاف جماليات اللغة والعالم من خلال الصور والاستعارات. الكشف الشعري هو تجربة عقلية وجمالية تقوم على توظيف الخيال والتعبير الإبداعي عن التجربة الشخصية.
في النص، الحالة الشعرية تتضح من خلال إعادة ترتيب المفردات والصور الجمالية مثل: "أدس فيها ما تيسر من ذاكرة هاربة"، "أحجيات الكلمات المفقودة"، و"انثيال الخرز بالمسابيح". هنا، تلعب اللغة دورًا في إضفاء لمسات شعرية على النص، حيث تتحول الأشياء المادية (الخرز، التفاحة، القميص) إلى رموز تُستخدم لتوليد إحساس شعري، وليس بالضرورة لتجسيد تجربة روحية.
الكشف الصوفي مقابل الكشف الشعري:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكشف الصوفي هو لحظة إلهام تحدث بعد فترة من السعي الروحي والتأمل، وغالبًا ما تكون مصحوبة بنور معنوي أو إحساس بالتجلي الإلهي. هذه اللحظة تُختبر على مستوى الوعي الروحي، وهي نتيجة مكابدة النفس ورفض الظواهر المادية للتركيز على المعاني الباطنية. في النص، عبارة "فيسطع نور خفي" تمثل هذه اللحظة، حيث النور لا يأتي بشكل مباشر أو واضح، بل هو نور داخلي، غير مرئي للعالم الخارجي، لكنه يشكل جوهر التجربة الروحية.
في حين أن الكشف الشعري، على النقيض، هو لحظة إبداعية تأتي نتيجة تأمل في العالم الحسي أو العقلي. الشاعر يصل إلى هذا الكشف من خلال التفاعل مع الأشياء اليومية أو المعاني المجردة، وينتج عنه نص يعكس تأملاته الجمالية واللغوية. في النص، الكشف الشعري يظهر في الجمل التي تحمل استعارات وصور شعرية مثل: "أدس فيها ما تيسر من ذاكرة هاربة" و"غرور الطين". هنا، الشاعرة تخلق عالمًا من الصور عبر استخدام لغة مكثفة، تسعى من خلالها إلى خلق لحظة كشف شعري جمالي تتولد من ارتباط الكلمات والمعاني.
الفرق الدقيق بين الكشفين:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكشف الصوفي مرتبط بحالة من التماهي بين الذات والروح الكونية أو الإلهية، يتجاوز فيه الفرد الحواس إلى مستويات أعلى من الإدراك الروحي. فهو يهدف إلى معرفة الحقيقة الأسمى والوصول إلى حالة من السكينة الداخلية بعد المرور بتجارب مكابدة النفس.
بينما الكشف الشعري يتعلق أكثر بتفاعل الشاعر مع اللغة والأفكار المحيطة به. هو لحظة تفجير الجمال من خلال تراكيب لغوية مبتكرة وصور مجازية، ولا يتطلب بالضرورة التماس مع أي حقيقة عليا أو روحية.
نجاح اللغة في التمثيل بين الصوفي والشعري:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النص "سطع النور" ينجح في تحقيق تناغم بين الكشف الصوفي والشعري، حيث تتمكن اللغة من المزج بين الحالتين. الفروق الدقيقة بين الكشفين تتداخل بشكل طبيعي: إذ يمكن للقارئ أن يشعر بالتجربة الروحية في جمل معينة، وبالعملية الإبداعية الشعرية في أخرى.
اللغة تتسم بالغموض، مما يتيح مجالًا واسعًا للتأويل، وهذا الغموض ضروري لكلا الكشفين (الشعري والصوفي). على مستوى البنية اللغوية، النص يُقدم صورًا ورموزًا متعددة الطبقات، يستطيع القارئ أن يفسرها من خلال عدسة صوفية أو شعرية، وهذا ما يجعل النص غنيًا في معانيه ومتشابكًا بين هذين البعدين.
ان التداخل بين الشعري والصوفي في هذا النص يرتبط بقدرة اللغة على الجمع بين التجربة الروحية الداخلية والكشف الجمالي الخارجي. الحالة الصوفية تتجلى في عمق البحث عن الحكمة والأنوار الباطنية، بينما الحالة الشعرية تتمثل في الإبداع اللغوي والصوري. النص يقدم نوعًا من الانصهار بين الحالتين، لكنه يتيح لنا أن نلمس الفارق الدقيق بينهما في لحظات الكشف المختلفة، حيث يكون الكشف الصوفي مرتبطًا بالتجلي الروحي، في حين أن الكشف الشعري يرتكز على الإبداع والتأمل الجمالي.
الاستاذ الناقد حيدر الأديب
************
" سطْع النور"
بقلم مجيدة محمدي
أرتق ، ما إتسع من الفتوق...
أدس فيها ما تيسر من ذاكرة هاربة ...
من سجل الوصايا ...
على سبيل غرور الطين ،
يروقني جدا إعادة ترتيب الأشياء ،
وحل أحجيات الكلمات المفقودة...
في الأفواه الخرساء ...
أواري سوءة الغراب ، وصَاحِبَتَيْ التفاحة والقميص ... في انثيال الخرز بالمسابيح ...
أمعن في السعي بين خطواتي ، القديمة ... وبي ....
فيسطع نور ...خفيّ ،
فِــــــــــــي .....



Comments