قراءة تحليلية وجدانية في قصيدة "نشيد الفجر الصامت"/ للشاعر سمير اليوسف / قراءة نقدية للناقدة نادية عوض / فلسطين / الاردن ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
- وهاب السيد
- May 14
- 3 min read

الإشراق الروحي ، نسيج الضوء والامل في قصيدة " نشيد الفجر الصامت " للشاعر والاديب الأردني سمير اليوسف
قراءة تحليلية وجدانية في قصيدة "نشيد الفجر الصامت"
بقلم: نادية عوض
يُعدّ العنوان الاستهلالي مفتاحًا مهمًا لفهم أجواء القصيدة، فهو يوقظ في الذهن مشهدًا من جمال الطبيعة، ويشي بهدوء الصباح وصمته المشرق، كما يوحي ببزوغ الفجر كرمز للأمل والبدايات الجديدة، وبلقاء الحبيبة كحدثٍ يحمل وعدًا بالدفء والضياء. وقد أبدع سمير اليوسف منذ البدء في جعل العنوان صورة شعرية مفعمة بالحياة، موحية ومعبرة، تدمج بين الإشراق الخارجي والفجر الداخلي.
في بنية القصيدة، يستحضر سمير اليوسف الفجرَ ويستخدمه رمزًا للتجدد والنقاء والبعث الشعري، وهو توظيف يتماشى مع الرؤية الرومانسية والوجدانية. وتبدو الحبيبة في النص ككائن كوني يتماهى مع عناصر الطبيعة: نسيم الصباح، ضوء الفجر، ورذاذ الندى. هي ليست مجرد امرأة، بل صورة مجازية للأمل، وللحبّ الذي يعيد صياغة العالم. يجمعها الشاعر بمهارة في إطار أنثوي حالِم، ناعم في حضوره، لكنه مهيمن في تأثيره.
برؤية جمالية عالية وخيال خصب، يرسم الشاعر لوحات شعرية يشعّ فيها الإشراق الروحي. يقول:
"تصحو وفي عينيها ضوء الأمل / تمشي وتغزل من خطاها سُبُل"،
وكأن النور ينبعث من خطواتها، ويعيد تشكيل الطرق والمصائر. هذه الصور تجمع بين الرقة والسطوة؛ فهي شفافة، لكنها تنطوي على حضور طاغٍ وساحر.
في الصورة الشعرية، تمتزج لغة الحواس مع لغة الرمز، حيث يُستدعى الضوء والعطر والندى والنسيم بوصفها امتدادات لوجود المحبوبة. وتخترق القصيدة رمزية عميقة، حين تتحوّل المرأة إلى رمز للحياة، وإلى تجلٍّ للفجر ذاته. هي من توقظ الأرض بجمالها، ومن تروي الخيال بعطرها، ومن تُنصت لها النسائم وتتبع خُطاها.
ورغم كل هذا الألق، لا تخلو القصيدة من بُعد شفيف من الشجن، يتسلّل من خلف الضياء. ضحكة الأفق، وارتواء الفجر، ودمع الندى، كلّها صور توحي بفرحٍ مؤجل، وربما بلحظة انتصار للحب بعد انتظار صامت. إنّ الحزن في القصيدة لا يُقال، بل يُلمَح، عبر غلالة من الجمال الشفاف. كأنّ الشاعر يبوح دون أن يتكلّم، وكأنّنا أمام مخاض وجداني لحبٍّ يتشكّل في الصمت.
ثمّة تحوّلات زمنية دقيقة في النص: من الصحوة، إلى الخطو، إلى العودة، ثم النوم. وهذا المسار الزمني يوحي بأن القصيدة ليست مجرد وصف لحبيبة، بل تجسيد لدورة وجودية كاملة: ميلاد، عبور، رجوع، وسكون. وكأنّ الحبيبة هي الزمن ذاته، أو هي الحلم الذي يمرّ عبر اليوم، ليكتمل بالنوم في حضن الحياة.
وليس بعيدًا عن ذلك أن يختار الشاعر البحر الكامل وزنًا للقصيدة، إذ ينسجم امتلاؤه الموسيقي مع امتلاء الصور والعاطفة، ويُضفي على المشاهد تدفقًا وحيوية.
في خاتمة القصيدة، تبلغ اللغة ذروتها التأملية:
"تنامُ... كأنَّ الكونَ في كفّيها جا"،
فهي هنا تتجاوز الكائن الفرد إلى تمثيل كوني شامل. فحين تنام، يسكن الكون، ويغفو في راحتيها، في إشارة بديعة إلى أنها مركز الوجود، أو رحم الحلم.
إنّ قصيدة "نشيد الفجر الصامت" قصيدة غنية بكل جماليات الشعر: الصور الحسية، الرؤى الرمزية، العاطفة النبيلة، والموسيقى المتدفقة. وهي قبل كل شيء نشيدٌ داخليّ، ونفثة روحٍ تتوق إلى احتضان وجودي خالص للحبيبة.
إنها لا تروي حكاية حب، بل تُنشد فجره المتوقَّد، وتكتب حضوره على إيقاع الضوء والعطر والندى
القصيدة
نشيد الفجر الصامت"
تصحو وفي عينيها ضوءُ الأملْ
تمشي وتغزلُ من خطاها سُبُلْ
في كفّها نسقُ النسيمِ ونبضُهُ
والأفقُ يرسمُ ضحكتَها حينَ طلْ
***
تخطو، كأنَّ الضوءَ ينبتُ تحتها
ويفيقُ من نومِ المدى ظلُّ الجمالْ
في كفِّها الفجرُ ارتوى من عطرها
وتنفّستْها الأرضُ... فاخضرّ الخيالْ
***
عادتْ تُخبّئُ في خطاها نسمةً
وفي يديها بعضُ شمسٍ تُرتَجى
تسقي الندى من وجنتيها نبضةً
وتنامُ... كأنَّ الكونَ في كفّيْها جا
***
تمشي، كأنّ الأرضَ تكتُبُ خطوها
ضوءًا، وتُنصتُ للنسيمِ يُرتّلُها
في قلبِها أشجارُ حُلمٍ نازفٍ
وغلالةُ الفجرِ الشفيفِ تُظلّلُها.
@اشارة للجميع
Kommentare