غرفة الذكريات / مقال للكاتبة شيماء حسين/العراق,,,,,,,,,,,,,,,
- وهاب السيد
- Nov 30, 2024
- 2 min read
((غرفة الذكريات))

في زاوية هادئة من حياتنا، حيث يحل الصمت وتغيب الابتسامات، هناك غرفٌ لا يدخلها سوى قلوبنا وعقولنا، نطلق عليها أحياناً اسم "غرفة الذكريات". إنها المكان الذي تتجمع فيه صور الأصدقاء والأقارب والأحباء الذين رحلوا. الغرفة مليئة بالتفاصيل التي كانت تعبر عن لحظات حميمة وجمال الحياة بجوارهم، لكنها تتحول مع الوقت إلى سرداب مليء بالوحدة.في تلك الغرفة، لا تجد سوى الذكريات، أصوات الضحكات التي ما زالت تتردد في جنبات المكان، أو ملامح الوجوه التي ما زالت تشع بالحياة وكأنها لا تزال تبتسم لنا. هذه الذكريات، رغم كونها عزيزة على قلوبنا، قد تصبح مؤلمة حين تحضر بروح مليئة بالشوق والحنين. فلا شيء أصعب من أن تحيا بين الذكريات وحدك، مستذكراً كل لحظة مضت بينما تغيب تلك الوجوه إلى الأبد.تأخذ هذه الغرفة بُعداً آخر، إذ قد تبدو حية بأصواتها وملامحها، ولكنها في جوهرها المكان الأكثر وحدة في العالم. إنه مكان يتجمع فيه الألم والفراق، حيث تتجسد قصة كل من رحل في إطار صورة أو قطعة من مقتنياته. قد تكون بعض هذه الذكريات سبباً في شعورك بالقوة، لأنها تذكرك أنك لم تكن وحيداً في هذه الحياة، لكن الوداع الذي تحمله كل ذكرى في طياتها، يجعل الغرفة كأنها سجنٌ للقلوب.
ما الذي يجعل هذا المكان أكثر وحدة؟ هو أن الغرفة، رغم احتوائها على حياة غابت، تظلّ صامتة، كأنها تحترم كآبة اللحظات التي مرت بها تلك الأرواح. تمرّ يدك على أثاثٍ قديم، على كتب تركوها، على مقعدٍ فارغ، فتصبح حبيس الحنين، مشبعاً برائحة الماضي. كل ذكرى تحمل قصة، ولكنها تقف عاجزة عن إرجاع الأيام الجميلة التي ضاعت.
وهذه الوحدة تتضاعف في ليالي الشتاء الطويلة، حيث يشعر الإنسان بالبرد ليس فقط جسدياً، وإنما برد الروح أيضاً. يصبح كل ما في الغرفة هامساً بألم الغياب. وتدور الأفكار حول الأشياء التي لم نقلها، والأخطاء التي لم نصلحها، والضحكات التي لم نضحكها بما يكفي. فندرك أن هذه الذكريات، رغم جمودها، تحمل نبض الحياة الذي قد انتهى وترك فينا أثراً من الوحدة.
من الصعب أن نجمع شتات قلوبنا بعد مغادرة أحبتنا، حيث تبدو الغرفة مكاناً نتوق إليه أحياناً، لكنه المكان الذي نخاف منه. نتردد في زيارته لأن كل زاوية، كل كتاب، وكل رائحة تعيد إلينا شعوراً ثقيلاً يشبه الحلم الجميل الذي تحول إلى كابوس. فالغرفة، رغم بساطتها، تصبح المكان الذي يعيد سرد قصص ماضينا، ولكن بآلام مضافة وتفاصيل لا يمكن محوها.الفراغ الذي يتركه أولئك الذين رحلوا لا يُملأ، وتظل ذكرياتهم عالقة في جدران الغرفة كأنها تُقاوم الزمن. كلما نظرت إلى تلك الذكريات، ترى في عيون من رحلوا أمنياتٍ لم تكتمل، وأحلاماً كانت تسكن أعماقهم. وبدلاً من أن تمنحك هذه الذكريات دفئاً، تسحبك إلى قاع من التأمل والأسئلة العالقة.
"الغرفة المليئة بذكريات أولئك الذين رحلوا" تعبيراً عن عمق الحب والوفاء الذي نحمله لهم، حتى بعد رحيلهم. ولكنها تظل أيضاً تذكاراً مؤلماً يعيد إلينا الشعور بالوحدة، بالرغم من ازدحام المكان بذكرياتهم. وربما يكمن جزء من حل هذا الشعور في أن نحاول إكمال مسيرة من رحلوا، ونعيش حياتنا بأقصى ما يمكن من البهجة والرضا، لعلّ تلك الذكريات تصبح حافزاً بدلاً من أن تكون عبئاً.
وقد تكون الوحدة التي نشعر بها وسط الذكريات، هي وسيلة لنعيش بعمق أكبر، ونقدّر كل لحظة، ونتعلم من الماضي كي لا نخسر اللحظة التي نحياها. فهذه الغرفة، رغم أنها مكان للوحدة، تذكرنا بأن حياتنا مليئة بالقصص والذكريات، وكل لحظة جديدة نعيشها تضاف إلى نسيج حياتنا الذي يبقى حيًا ومشعًا، حتى وإن اكتنفه الحنين.
Comments