top of page
Search

سيرة ذاتية / تقديم الاديب -الدكتور رشيد يحياوي –/ المغرب ,,,,,,,,,,,,,,,

  • Writer: وهاب السيد
    وهاب السيد
  • May 21
  • 4 min read

تقديم لسيرتي الروائية:

"صهيل الذاكرة"

الغربة، بكل تبسيط، ضريبة مضافة على وجود الإنسان في واقع لا يتصل به. ضريبة يدفعها يوميا في كل إحساس بالفقد. يتساوى في هذا الإحساس كونك داخل وطنك أو خارجه. في بلدك يتعمق الإحساس حين تخطو خارج البيت، في الدرب من أقصاه إلى أقصاه، وفي أماكن التجمع القديمة، وبمحاذاة رصيف الشارع الرئيسي، فتجد الوجوه وكلام الناس غير كلام الناس، ألبسة قديمة وكلاما قديما، وضحكا قديما. إنك لا تتصل بهؤلاء.

وحين يرقمونك في الهوامش، أو ينسون ترقيمك فيها، وتحج صوبك الأرضة والعتمة فتلحقك الخروم كالمخطوطات القديمة، لا تجد لك نصيبا من شغل أو سكن أو تغذية أو أدوية أو تعليم، فتبادر لميثاق حقوق الإنسان تحرقه وتتبخر به ليضحك جني معك الزمن الذي لم يصل بينك وبين الحياة الكريمة. في بلدك أو قريتك أو في مخابئ زرائب الدوار، يقف بك النظر عند أثاف وحجر وأرصفة وخشب شرفات الصبا. وعند شجر ومنعطفات الزقاق وتآكل العتبات المألوفة، يقف بك عند روائح السوالف والأطعمة والنعناع وموجة الضحكة الجريئة والنظرة البريئة والضمة خلف الحجاب. غير أن ما يأتيك هو تراقص أشباح وصور حللتها مياه الغيمة الزمنية فلا محل لك فيها الآن…في بلدك وخارجه الغربة تعقيد ومضاعفة للإحساس المزمن ببعدك عن حياة الآخر، حتى الذكرى غربة، والحلم غربة. إنه إذن جريان وسيولة لحياة الإنسان، يخلفه في الماضي ويجتثه من الحاضر.. خارج بلدك، لا يسعفك المسعف حتى برؤية الغبار الذي يتسرب إلى غرفتك من الشارع، أو بشم رائحة الخبز وقد أحضر للحظته من الفرن البلدي، ولا تنفعك الذكرى باستحضار لعب الطفولة.

تكون بعيدا عن الوطن فتفقد الكلام المألوف، وتجمعات الصحاب، وطريقة مشي الناس، وسلامهم، ونظرتهم. إنها إذن الحالة القصوى لانفصال موضوع العيش عن ذات الكائن، حيث يدخل في قوالب صناعية تضغط عليه كمعمل الحديد لتكون له أشكالا جديدة. وبحكم أن ظاهرته غير الشيء المعدن، فهو يرفض ويتألم ويتصبب عرقا وحلما وذكرى ومأساة. ليست الغربة إحساسا فقط، بل عالما له فلسفته ونظريته ومنهجه. وفي كل ذلك يتآكل الغريب كلما نظر في الغربة فيبكي وجوده. ودمع المرء قمة تعبيرية عن رفض هذا العالم من غير قدرة على مواجهته، يبكي المرء أول ما يهاجر، ويبكي أول ما يحط الرحال، ويبكي أول ما يشم رائحة الوطن. كم هي طيبة حياة البلد !لو أن الزمن يوقف جريانه، ويوقف سطوته ورعونته. غير أننا بجرينا نحيا، وبحياتنا نتغرب.

من يتابع الصفحات الأدبية للجرائد المغربية، يكتشف، دون عناء، أن المبدعين المغاربة، مرتبطون ارتباطا حميميا بالواقع، سواء أكان في بعده الدولي، أم القومي، أم القطري. فقد قرنا إبداعات عن أحداث كثيرة، منها أحداث كبرى كحرب الخليج، وثورة أطفال الحجارة، وحرب البوسنة، لدرجة أن هذه الإبداعات مثلت تراكما خلق ظواهر درست بالفعل. وهناك من ربطوا إبداعاتهم بأشخاص بعينهم رحلوا عنا فجأة، أو بأشخاص اعتقلوا.

وفي السنوات الأخيرة، بدأنا نقرأ إبداعا جديدا، يتضافر فيه الاجتماعي بالذاتي، ويتسم بدرجة عالية من التعبير عن الحرقة الداخلية. وهذا الأدب الذي بدأت نصوصه تكثر، سنقترح له الاسم الآتي: دب المعطلين. وقد يكون اقتراحنا من تحصيل الحاصل، لأن من خصوصيات هذا الأدب كونه يؤكد انتماءه لعطالة الخريجين سواء أكان هذا التأكيد في عنوانه أم في عناوين فقراته، في محتواه أم في توقيع صاحبه.

ونرى أن أدب المعطلين، يختلف في أدواته عما كتب عن الأحداث الأخرى، في كونه يستند بشكل أساسي على النثر. أما في صيغته الأنواعية، فيتوسل صيغة المذكرات واليوميات في المقام الأول. المعطلون ليسوا إذن في حاجة للذاتية المهلهلة للشعر ولا للموضوعية المصطنعة للرواية، بل للغة تؤمن صوغ اللحظة بقلقها وترقبها. ويجب أن ننظر إلى ما يكتبه المعطلون باعتباره يتصل بوضعية اجتماعية استثنائية لفئة من الشباب المثقف. إذ ن هذه الفئة لا تنتج ماديا شيئا باستثناء طموحها وزادها الثقافي. وهذا الوضع الاجتماعي الاستثنائي له دون شك تأثير في إبداعها لغة ومحتوى. إذ أن المعطل يجد أنه في حاجة للغة تضمن له التعبير عن معاناة يتفرغ لها اليوم بكامله من غير أن تكون هذه المعاناة مستقرة، لأنه في بحث دائم عن رفعها.

أدب المعطلين بخاصياته التي ذكرناها يسد ثغرة في أدبنا. نقصد قلة الكتابة عن السيرة الشخصية أو الذاتية في أحد أنواعها على الأقل. فما راكمه ويراكمه من نصوص، أصبح يمثل ظاهرة تستحق الاهتمام والدراسة. ناهيك عن كون هذا الأدب له قراء كثيرون من المعطلين وغير المعطلين. ثم إن ما يتصل بالأدبية قد يكون بالنسبة للمعطل مطلبا في الدرجة الثانية، لأنه لا يكتب من اجل الكتابة، بل من اجل أن يجعل الآخرين يحسون بمعاناته وضمن الآخرين نجد المسؤولين عن أزمة الشغل والتشغيل.

والأدباء المعطلون، عائمون في حرقتهم، معبرون عنها، لدرجة أن بعضهم يوقع بأسماء مستعارة، تأكيدا على نكران الملكية الأدبية والربح الرمزي. أما الذين يوقعون بسمائهم الشخصية، ومنهم معطلون يحملون شهادات عليا من المغرب ومن خارجه، فإن أسماءهم تمثل بدورها رسالة لمن تعود أن يضع تحت درج مكتبه سلة للمهملات.

 وهذا النص الذي بين أيدينا يقع في منطقة ما، داخل هذا الأرخبيل الكتابي. كتبه عبد السلام فزازي في قمة الفقدان وانتباه الذاكرة. فجاءت نصوصه طافحة بحياة تزاحمت فيها اللحظات، بين تطلع لمستقبل غامض، وحاضر مرير، وماض متصدع. كتب جلها في فترة عطالة واقعية، اصطدم فيها بالجدار المنيع لكساد سوق الشغل بعد سنوات من الدراسة. بسبب ذلك لم يجد سوى الكتابة ملاذا للمواجهة. لكن الكتابة في حالة كهذه تتدافع فيها النزعات والاختيارات. فهذا النص في صيغته العامة يتموقع ضمن المحكي الذاتي، يتوسل عدة صيغ أخرى للحكي في مقدمتها صيغة المذكرات، مع انزياحات تكسر وحدة الحدث وتعاقب الأحداث، حيث يتدخل التداعي بصفة خاصة، في شكل حوار يجري تارة بين الذات والذات، ومرة بين الذات والآخر غير المعين، أو المعين بمنصب المسؤولية. بل إن النص هو في الأصل رسالة تفصح عن ذاتها المتلفظة، وعن مخاطبها الذي يأخذ صورا عديدة، وأسماء مختلفة. اتخذ فيها السرد شكل بؤر متقطعة ومتفجرة، أسهمت بدورها في توليد التيمات الأساسية في النص، مثل اليأس والألم والحزن والرفض. وترتبط بها تيمات أخرى، قد يكون عبد السلام فزازي تناولها ببعض الحدة، لكن ذلك يجب أن يفهم في ضوء الشرط الخاص للمحكي الذاتي لهذه المذكرات الجديرة بالقراءة.





 
 
 

Comments


موقع فنون الثقافي

©2024 by موقع فنون الثقافي . Proudly created with Wix.com

bottom of page