top of page
Search

حسين مردان بين الصعلكة والشيوعية،،وعبد الكريم قاسم!!/ مقال للروائي شوقي كريم حسن / العراق ,,,,,,,,,,,,,,

  • Writer: وهاب السيد
    وهاب السيد
  • Jan 28
  • 6 min read



حسين مردان بين الصعلكة والشيوعية،،وعبد الكريم قاسم!!

شوقي كريم حسن

حسين مردان، أحد أبرز شعراء العراق في القرن العشرين، شخصيةً مثيرةً للجدل، تمثل التمرد والبحث عن الحرية في أعمق معانيها. وُصف بالصعلوك بسبب أسلوب حياته المتمرد، وابتعاده عن القوالب الاجتماعية التقليدية، واندفاعه نحو حياة مفعمة بالجنون، والتمرد على السلطة بأشكالها، سواء كانت سياسية أو دينية أو اجتماعية.رغم صعلكته الظاهرة، حمل ميولًا فكرية إلى الشيوعية، إذ تأثر بأفكارها التحررية التي تناسبت مع رؤيته للعالم كإنسان متمرد على القيود الطبقية والاجتماعية. في كتاباته، نجد أن الفكر يتجلى في رفضه للتفاوت الطبقي، وتعبيره عن معاناة الفقراء البسطاء، وهو ما يربطه بقوة بالشيوعية كحركة فكرية تحررية.لكنه لم يكن ملتزمًا إيديولوجيًا بالشيوعية كحزب ،بل تبنى عناصره كجزء من رؤيته الإنسانية والشعرية. مع اصراره على أن يظل ناقدًا لفكرة الالتزام السياسي المباشر، إذ اعتبر أن الشعر يجب أن يبقى أوسع من الأيديولوجيات وأن يتجاوزها ليعبر عن الألم الإنساني بشكله الأعمق.

صعلكة حسين مردان لم تكن مجرد حالة تمرد اجتماعي، موقفًا فلسفيًا من العالم، يتشابك مع انحيازه للفقراء والمهمشين، ورؤيته الرافضة للظلم والاستغلال. ولعل هذا ما جعله شخصية استثنائية جمعت بين صخب الحياة اليومية وعُمق الفكر الشعري.

، وعلى الرغم من طبيعته العابثة ورفضه للتقيد بأي سلطة أو منهج سياسي، كان يرى في عبد الكريم قاسم رمزًا للتحرر والعدالة الاجتماعية في العراق. مدحه في أشعاره ومقالاته ليس بوصفه زعيمًا سياسيًا ، بل كإنسان ارتبط بفكرة الانتصار للفقراء والمهمشين، وهو ما انسجم مع رؤية مردان للعالم.عبد الكريم قاسم، بمشروعه الوطني واهتمامه برفع معاناة الفقراء وإطلاق الإصلاحات الاجتماعية، مثّل بالنسبة لمردان أملًا في تحقيق مجتمع أكثر عدالة. مردان، الذي عاش التهميش وعانى شخصيًا من الفقر، وجد في قاسم رمزًا لقضية يؤمن بها بشدة، وهي حق الطبقات المسحوقة في الحياة الكريمة.في أشعاره ونصوصه النثرية، عبّر حسين مردان عن إعجابه بشخصية قاسم بوصفه “القائد العادل” و”ابن الشعب”، مسلطًا الضوء على بساطته وإنسانيته، التي تناقض ما اعتاد عليه العراقيون من زعماء سابقين. لكنه ما كان متملقًا، بل بقي محافظًا على نقده لكل انحراف محتمل عن القيم التي ناضل قاسم من أجلها. مدحه لعبد الكريم قاسم امتدادًا لروحه المتمردة التي تبحث عن “بطل شعبي” يمكن أن يعيد صياغة الواقع البائس، لكنه ظلّ مدحًا مشروطًا بأمل أن يبقى قاسم وفيًا لتلك القيم، وهو ما يظهر في نبرة حسين مردان المتذبذبة أحيانًا بين الإعجاب والتوجس. هذا التوازن في مدحه يعكس فهمه العميق لتعقيدات السلطة والسياسة، حيث لم يفقد بوصلته الفكرية رغم حماسه لشخصية الزعيم. ،التي ظلت تحمل طابعًا مركبًا؛ كان مردان يرى في قاسم تجسيدًا لحلم العدالة الاجتماعية الذي لطالما دافع عنه، إلا أنه، بطبيعته الصعلوكية ونزعته الفردانية، لم يستطع أن يكون تابعًا مطيعًا لأي مشروع سياسي، حتى لو بدا قريبًا من رؤاه.مدح مردان لقاسم لم يكن مجرد انبهار بشخصيته، بل كان تعبيرًا عن الأمل في قائد يستطيع أن يكسر تقاليد السلطة التقليدية، وينحاز بصدق للشعب الكادح. هذا المدح ظهر في كثير من كتاباته، حيث وصف قاسم بـ”الصوت القادم من قلب العراق”، وصوّره كمناضل يسعى لتحرير الناس من براثن الإقطاع والاستبداد. كان قاسم بالنسبة له زعيمًا مختلفًا، بعيدًا عن الرفاهية والبهرجة، يعيش ببساطة تتناغم مع أحلام الفقراء الذين كانوا محور شعر مردان وشخصيته الفكرية.

ومع ذلك، لم تكن علاقة حسين مردان بقاسم خالية من النقد أو الشك. فقد كتب عن مخاوفه من أن يتحول الحلم الذي مثله قاسم إلى كابوس، إذا لم تُحمَ هذه الثورة من الانحراف أو التسلط. هذه المخاوف، التي عكست وعيًا شديد الحساسية بطبيعة السلطة، عبّر عنها مردان بوضوح في مقالاته وبعض قصائده التي تخللتها نبرة تحذير من أن السلطة، مهما كانت عادلة في البداية، قد تتغير تحت وطأة التحديات أو الضغوط.في نهاية المطاف، مثّل مدح مردان لقاسم لحظة منسجمة مع روحه الثائرة وأحلامه بتحقيق العدالة، ولكنه ظل مدحًا مفعمًا باليقظة والنقد، ليؤكد بذلك أنه لم يكن مجرد شاعر مناصر للسلطة، بل صوتًا مستقلًا يسعى إلى أن يبقى وفيًا لقيم الحرية والتمرد. بعد مقتل قاسم في انقلاب 8 شباط 1963، واجه حسين مردان صدمة عميقة تركت أثرًا واضحًا على كتاباته ومواقفه. كان مقتل الزعيم بالنسبةله نهاية لحلم العدالة الاجتماعية الذي تعلق به، وبداية لفترة مظلمة شعر خلالها بالخيبة والاغتراب.عبر مردان عن حزنه في كتاباته بطريقة غير مباشرة، مستخدمًا لغة شعرية مفعمة بالمرارة واليأس، وكأن مقتل قاسم طعنة لكل الآمال التي راودته في أن يرى عراقًا أكثر عدلًا وإنسانية. لم يكن مجرد فقدان زعيم سياسي، بل سقوطًا لحلم أراد أن يراه واقعًا. استشعر في الحدث مأساة أكبر من السياسة، تتعلق بالخيانة والطموحات الفردية التي اغتالت مشروعًا وطنيًا من الممكن أن يغير وجه العراق.رغم أنه لم يعلن ولاءً مطلقًا لقاسم، فإنه لم يستطع إخفاء إعجابه بشخصيته وصدقه. وبعد اغتياله، أصبح يتحدث عن الزعيم بوصفه “شهيد الشعب” الذي لم يكن لديه حراس أو مظاهر استبدادية، بل عاش ومات بسيطًا كأبناء الطبقة الكادحة الذين انحاز إليهم.في قصائد كتبها خلال تلك الفترة، تكررت عند مردان صور الموت والغدر، في إسقاطات واضحة على ما حدث لقاسم. استخدم رمزية الصحراء والظلام والسكين ليعبر عن المأساة التي شعر بها، وكأنه ينعى ليس شخص الزعيم فحسب، بل روح العراق التي رأى أنها اغتيلت معه، وبطبيعته المتمردة، لم يغرق مردان في الحزن طويلاً؛ بل استمر في نقده اللاذع للواقع الجديد الذي أعقب الانقلاب. لم يوفر الانقلابيين ولا الطامعين في السلطة من سهام كلماته، وواصل التذكير بالقيم التي ارتبطت بمشروع قاسم، حتى وإن لم يعد يذكره بالاسم في بعض الأحيان، كي لا يعرض نفسه لمخاطر القمع.، بقي وفيًا لفكرته الأسمى: الانحياز للحرية والعدالة والتمرد على الظلم، حتى في أحلك أوقات حياته. شكلت خسارة الزعيم قضية شخصية،ووقودًا لاستمرار صعلكته الفكرية والشعرية في مواجهة قسوة الواقع. صعلكة صارت جزءًا أصيلًا من شخصيته وشعره، اكتسبت أبعادًا أكثر قتامة بعد مقتل الزعيم. كانت صعلكته في بداياتها تمردًا على القيم الاجتماعية والسياسية التقليدية، لكنها بعد هذه الحادثة أصبحت أقرب إلى تمرد وجودي عميق، مليء بالمرارة تجاه ما رآه من خيانة وغدر في واقع العراق. عاش حياته كما يكتب أشعاره: بلا حدود، بلا خوف، وبلا تنازل. صعلوك لا بمعنى التشرد الجسدي ، بل في رفضه التام لكل أشكال السلطة والامتثال. بعد الانقلاب تحولت صعلكته إلى حالة من النبذ الواعي للمجتمع الذي سمح بحدوث مثل هذه المأساة. رآها خيانة جماعية للقيم التي مثلها قاسم ، ولحلم العدالة الاجتماعية الذي ظنه ممكنًا ذات يوم.في حياته اليومية، أصبح مردان أكثر غرابةً وتفردًا. يقضي أوقاته في المقاهي الشعبية، محاطًا بالفقراء والمهمشين، دون أن ينتمي إليهم ، ولا إلى أي طبقة أو جماعة أخرى. نافثاً كلماته بمرارة لا تخطئها الأذن و قصائد تفيض بالحزن والتمرد في آن واحد.صعلكته حملت طابعًا من السخرية السوداء، حيث بدأ ينظر إلى العالم كمكان لا يحتمل الإصلاح، واعتبر محاولات إنقاذه محكوم عليها بالفشل بسبب طبيعة البشر القائمة على الجشع والخيانة. ومع ذلك، لم يتوقف عن الكتابة و التمرد، بل وجد في صعلكته وسيلة للبقاء مخلصًا لفكره، بعيدًا عن كل مظاهر التزييف و الرياء.ما كان صعلوكًا كلاسيكيًا ينتمي إلى أساطير التمرد ، بل صعلوكًا شعريًا وفكريًا يرى في الكلمة سلاح يمكنه مواجهة القبح المحيط به. ظلت صعلكته شهادةً حيّة على رفضه الانصياع للواقع، وعلى إصراره على أن يبقى حرًا حتى في مواجهة أكثر اللحظات قسوة، سواء في حياته الخاصة أو في تاريخ العراق المأساوي. تعمقت صعلكته وأصبحت أكثر ارتباطًا بتمرده الوجودي، وكأن خسارة الزعيم إعلانًا صامتًا بنهاية أمل في إصلاح شامل للمجتمع الذي يطمح إليه. تحول بارادته إلى شخصية تعيش على الهامش، لا بمعنى الجغرافيا فقط، بل بمعنى الموقف من الحياة كلها.صار يكتب عن الغدر وكأنه قدرٌ دائم للإنسان، وعن الخيانة كعلامة فارقة في مسيرة الشعوب التي تفقد رموزها في لحظات ضعف جماعي. أصبحت صعلكته تعبيرًا عن القطيعة التامة مع السلطة وكل ما يمت لها بصلة، حتى السلطة الأخلاقية الاجتماعية.في تلك المرحلة،روي في شعره ونثره قصصًا عن مدن ميتة وأحلام مسلوبة وأبطال يسقطون وسط عواصف الكراهية. هذه الصور التي ازدحمت بها كتاباته تعكس إحساسه بالخسارة والخذلان، وكأنه ينظر إلى مقتل قاسم كذروة لخيانة أعمق تمارسها المجتمعات ضد أحلامها . ومع ذلك، ما بكي الماضي، بل أصر على فضح الواقع الجديد، مستخدمًا سلاحه الوحيد: الكلمة.في يومياته، بقي مردان أسير صعلكته، يتنقل بين المقاهي والحواري، يرتدي عباءة الغريب الذي لا ينتمي لأي شيء. كلماته تمزج بين المرارة والازدراء والحنين المكبوت لأيام كانت فيها الأحلام ممكنة.يرى في انحيازه للصعلكة نوعًا من النقاء الإنساني، بعيدًا عن الصفقات السياسية والاجتماعية التي اعتبرها شكلاً آخر من أشكال الفساد.صعلكته طريقته في البقاء صادقًا مع نفسه و قناعاته. وقد أصبحت أكثر حدّة، التزامًا بالتمرد المستمر ضد الظلم والخيانة. ربما أدرك في النهاية أن الصعلوك الحقيقي ليس من يعيش بلا مأوى مادي، بل من يختار أن يعيش بلا مأوى فكري داخل منظومة تستهلك القيم وتقتل الأحلام. تمسك (حسين مردان )بالصعلكة لأنها طريقه الوحيد ليبقى صادقًا مع نفسه، في عالم يزدحم بالتزييف والادعاء. رأى فيها موقفًا وجوديًا، يعبر عن تمرده على القوالب التي حاولت أن تفرض عليه نمطًا من الحياة لا ينسجم مع روحه الحرة. عاش حياة بسيطة، قريبة من الطبقات المسحوقة التي كانت ملهمته الدائمة، واختار أن يبقى بعيدًا عن كل مغريات السلطة أو الشهرة الزائفة.الصعلكة بالنسبة له لم تكن مجرد هروب من الفقر، بل إعلانًا عن رفضه للترف الذي اعتبره مصدرًا للزيف. أحب أن يكون قريبًا من الفقراء، لأنهم في نظره يمثلون جوهر الإنسانية الحقيقي، بعيدًا عن أقنعة النفاق التي تميز الطبقات الميسورة. لم يكن يثق بالمجتمع، ورأى فيه كيانًا ملوثًا بالرياء والخيانة، فاختار أن يعيش على هامشه، صعلوك ينتمي إلى ذاته وأفكاره. لم يستطع الامتثال لأي نظام يحاول كبح حريته، سواء كان سياسيًا، دينيًا، أو أدبيًا. ينظر إلى الصعلكة كحالة من التحرر الكامل، حيث لا قوانين تفرض عليه سوى تلك التي يضعها لنفسه. هذا التمرد لم يكن خاليًا من الألم، لكنه الثمن الذي قبله مردان ليبقى حرًا.، يرفض المساومة على القيم والأحلام، حتى لو كان الثمن العزلة والفقر. عاش حسين مردان صعلوكًا بالفكر قبل أن يكون بالحياة، ورأى في هذا الخيار الطريق الوحيد ليبقى وفيًا لإنسانيته.

 
 
 

ความคิดเห็น


موقع فنون الثقافي

©2024 by موقع فنون الثقافي . Proudly created with Wix.com

bottom of page