top of page
Search

بين الفعل الاحتفالي الفعل التراجيدي / مقال د. عبد السلام فيزازي / المغرب ,,,,,,,,,,,,,,,,,

  • Writer: وهاب السيد
    وهاب السيد
  • Apr 7
  • 3 min read



القول الذي أورده المبدع الدكتور عبد السلام فيزازي يحمل توترا دلاليا مكثفا، إذ يضع في تضاد صارخ بين مفهومين متعارضين: الفعل الاحتفالي الذي تجسده الأمسيات الشعرية، والفعل التراجيدي الذي يمثله الموت الفلسطيني. هذا التوتر لا ينشأ فقط من التناقض الظاهر بين الحياة والموت، بل أيضا من الإيحاء بأن الاحتفاء بالفن في ظل مأساة قومية هو شكل من أشكال التطبيع مع القهر والاضطهاد.

إن قراءة هذا القول وفق المنهج التفكيكي الذي أرساه جاك ديريدا تستلزم تفكيك البنية الثنائية التي ينهض عليها: الفرح والحزن، الفن والسياسة، الاحتفال والمقاومة. إن هذه الثنائيات تبدو في الظاهر متناقضة، لكنها تخفي في طياتها تعقيدا أعمق. فإذا كان "الاحتفال" بالشعر يعني بالضرورة "الرقص على الجثث"، فإن ذلك يفترض أن الفن، في جوهره، متواطئ مع الاستبداد. لكن هذا الافتراض نفسه يمكن قلبه، إذ إن الشعر والفن عموما يمكن أن يكونا أداة مقاومة، وصوتا يصرخ في وجه الظلم بدلا من أن يكونا مجرد ترف منفصل عن الواقع.

في هذا السياق، تحمل لفظة "التطبيع" بعدا إيديولوجيا يحيل إلى فعل القبول الضمني، أو حتى التواطؤ غير المباشر مع واقع القهر. غير أن هذه الدلالة لا يمكن أن تبقى ثابتة، لأن مفهوم التطبيع ذاته قابل للانزلاق الدلالي. هل حضور أمسية شعرية في ظل المأساة يعني التماهي مع الجلاد؟ أم أن التغني بجماليات الشعر قد يكون وسيلة أخرى للتعبير عن الرفض؟

ثم إن الفعل "يرقصون" في الجملة ليس بريئا من الأحكام المسبقة، إذ يحمل شحنة اتهامية ضمنية بأن المشاركين في هذه الأمسيات غير مكترثين بالواقع الفلسطيني، بل وربما مستمتعون بالمأساة بطريقة غير مباشرة. لكن هل الفن بالضرورة متناقض مع الالتزام السياسي؟ أم أن هناك إمكانية ثالثة تتيح الجمع بين الفن والمقاومة دون أن ينفي أحدهما الآخر؟

التفكيك هنا يقود إلى خلخلة المعنى الأحادي الذي يبدو أن العبارة تحاول فرضه. فإذا كان الشعر يحمل في داخله بعدا تعبيريا يتجاوز حدود الزمن والمكان، فإن عزله عن السياق السياسي يحرمه من قوته، لكنه في الوقت ذاته لا يصبح مجرد فعل تطبيعي لمجرد أنه لا ينخرط في الصراع بأسلوب مباشر. فالفن قد يكون مساحة للاحتجاج بقدر ما يمكن أن يكون مساحة للانفصال. والسؤال الحقيقي الذي يستبطنه القول هو: هل الالتزام السياسي يقتضي الامتناع عن كل أشكال الفرح والإبداع إلى أن تتحقق العدالة؟ أم أن التعبير الجمالي يمكن أن يكون جزءا من المعركة نفسها؟

إن تفكيك هذا القول يكشف عن طبقات متعددة من التوترات الدلالية، بحيث يصبح من غير الممكن الإمساك بحقيقة قاطعة ونهائية. فكل قراءة تحمل معها ظلالها، وكل معنى يمكن أن ينزلق إلى نقيضه، مما يفتح المجال لتعدد زوايا النظر بدلا من الاكتفاء بحكم أخلاقي مطلق.

ولعل الدكتور عبد السلام فيزازي لم يجب على هذا السؤال تحديدا بل امتنع وتركه معلقا، لأن السؤال نفسه كان يحمل في طياته أكثر من إجابة واحدة، وكان الجواب يحتاج إلى وقت أطول، وإلى تفكير أعمق في المعنى والوجود، وفي السياسة والفن، وفي الوجع والجمال. فما بين الرقص على الجثث واحتفاء الكلمة بالشعر يكمن سؤال أعمق عن معنى المقاومة وأشكالها، وعن الفن وأدواته في زمن الحرب والدمار. ومع ذلك، وفي محاولة مني لتقديم إجابة قد تكون أقرب إلى فكرته، وجدت نفسي أتحمل مسؤولية تقديم هذا الجواب نيابة عنه، آملا أن أكون موفقا في التعبير عن تعقيد المعنى الذي يحيط به هذا السؤال، والذي يبقى معلقا بين فكرين، بين ذاكرة الجرح والأمل في الشفاء، لتظل كلماتنا تقاوم، وتصرخ، وتبحث عن معنى يتجاوز الحدود.

قال وكتب الباحث عبد العزيز خبشي ما لم أستطع البوح به لا لشيء إلا أن الناس دخلت بوابة الالهاء حيث تتراشق بما يسمى الشعر لكن تلقيه والموتى أمامهم يدفنون مثنى وثلاث ورباع وفي الآونة الأخيرة يدفنون أحياء..فكيف لبشر أن يتغنى بالشعر والموت يطوقه فالخنساء بنفسها جفت عيناها ولم تستطع البكاء متوسطة الخالق أن يعطيها قوة البكاء..



 
 
 

Comments


موقع فنون الثقافي

©2024 by موقع فنون الثقافي . Proudly created with Wix.com

bottom of page