"بناء الإنسان قبل العمران: فلسفة التنمية الحقيقية"/ مقال للكاتب عبد المجيد الحسوني / المغرب ,,,,,,,,,,,,,
- وهاب السيد
- May 17
- 2 min read

قهوة الصباح في وقت الانشراح
"بناء الإنسان قبل العمران: فلسفة التنمية الحقيقية"
في زمن تتسارع فيه مشاريع البنية التحتية، وتعلو فيه الأبراج، وتتسع فيه المدن، يبرز سؤال جوهري: من نُشيِّد له هذا العمران؟ وهل يصلح البناء إن لم يُبنَ الإنسان أولاً؟
الجواب يكمن في عبارة عميقة تختزل فلسفة التنمية المتوازنة: "بناء الإنسان قبل العمران".
الإنسان هو الغاية والوسيلة
الإنسان ليس مجرد مستفيد من العمران، بل هو مهندسه، وحاميه، ومطوره، بل هو المعيار الحقيقي لنجاح أي مشروع. إنّ تشييد المدارس لا يُثمر ما لم نُكوِّن المعلّم، وبناء المستشفيات لا ينفع دون تأهيل الطبيب، وبناء الطرق لا يكفي إن لم نُربِّ في النفوس معنى المسؤولية واحترام القانون.
فالعمران، في جوهره، امتداد للإنسان: إن فسد هذا، فسد ذاك؛ وإن صلح هذا، صلح ذاك.
قيم قبل القرميد
قبل أن نرفع الإسمنت، علينا أن نغرس القيم. فالمجتمعات التي لم تبنِ في نفوس أفرادها الصدق، والانضباط، وحب العمل، والغيرة على الوطن، ستجد نفسها عاجزة أمام تحديات الحاضر، ولو تزيّنت بناطحات السحاب.
فمن ذا ينظف الشارع إن لم تكن هناك كرامة؟
ومن يحترم القانون إن لم تكن هناك تربية؟
ومن يعمّر الأرض إن لم يسكن قلبه الإيمان بالمسؤولية؟
التنمية ليست حفراً وجدراناً، بل وعياً وسلوكاً
البلدان التي سبقت في قطار الحضارة، لم تبدأ بمطار دولي أو مركز تجاري، بل بدأت بمدرسة وفكرة وكتاب.
بناء الإنسان يعني بناء عقله، قلبه، ضميره، ومخياله.
يعني تربيته على حب الخير العام، وتقدير الكفاءات، واحترام الآخر، والإيمان بأن كل لبنة في الجدار لا قيمة لها إن لم تكن لبنة في بناء الوطن والإنسانية.
الرؤية الروحية: التزكية قبل التشييد
في السياق الروحي، وخاصة في الفكر الصوفي أو التربوي الأخلاقي، يُفهم "بناء الإنسان" على أنه تزكية النفس وتهذيبها، وتطهير القلب من الغل والأنانية، وزرع نور الحكمة والمعرفة. فمدينة بلا قلوب نقية، ستكون مليئة بالضجيج، لكنها خالية من السكينة.
نموذج حضاري متكامل
في الحضارة الإسلامية، كان العمران متصلاً بالتربية:
الجامع لم يكن مكان عبادة فقط، بل منبر تعليم.
المدرسة كانت متصلة بالزاوية، ترقى بالعلم والروح.
الأسواق كانت تُراقَب أخلاقياً كما تُنظم مادياً.
لقد كان الإنسان المتوازن – علماً وخلقاً – هو أساس الدولة العادلة والعمران الراسخ.
خاتمة: لنُعمِّر القلوب قبل الحيطان
إن أردنا تنمية حقيقية، فلتكن البداية من الإنسان. لنُعلِّم، لنُربِّي، لنُثقِّف، لنهتم بالطفل والمربي، بالعامل والمفكر، بالمبدع والمزارع.
فلا عمران ينهض ببلد ما لم يكن خلفه إنسان ناهض.
Comments