top of page
Search

المسرح العراقي بين الحقيقة والوهم: هزيمة الفعل المؤثر/—٢—؟!!/ مقال للروائي شوقي كريح حسن / العراق ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

  • Writer: وهاب السيد
    وهاب السيد
  • Mar 29
  • 4 min read



المسرح العراقي بين الحقيقة والوهم: هزيمة الفعل المؤثر/—٢—؟!!

(اشارات تحريضية من أجل اعلان عن الوجود)!!

شوقي كريم حسن

#المسرح العراقي، ذلك الكائن المتأرجح بين الحياة والموت، بين الحقيقة التي يحاول أن يرسخها، والوهم الذي زُرع فيه عمدًا، حتى بات أضعف من أن يكون شاهدًا على الخراب. حين تأسس، كان صرخة ضد العتمة، ضد الاستبداد، ضد التجهيل، لكنه سرعان ما أُحيل إلى خادمٍ مطيعٍ لأنظمةٍ تعاقبت على نهشه، حتى لم يبقَ فيه من أثر الفعل سوى ديكورات خاوية وأصوات تتكرر على مسارحٍ لم تعد تؤمن إلا بالمساومة.كان (قاسم محمد )يصرخ: “المسرح هو الحقيقة”، لكن أي حقيقة تُركت لهذا المسرح بعدما صار التجار والسلطات هم من يتحكمون بخيوطه؟ كان (يوسف العاني) يقول: “نحن نقدم المسرح لأنه ضرورة، لا ترفًا”، فأين هذه الضرورة اليوم عندما صار المسرح العراقي إما مساحةً للابتذال أو محاولاتٍ فرديةً تختنق في زاويةٍ معتمة؟ حتى (سامي عبد الحميد)، الذي ظل يرفع صوته بأن المسرح فعل تغيير، رحل وهو يشهد انحدار هذا الفعل حتى بات أثرًا بعد عين.

في السبعينيات، وُهِب المسرح العراقي دعمًا رسميًا، لكنه كان دعمًا مشروطًا، فإما أن يكون الممثل بوقًا، أو يُحكم عليه بالنفي إلى الهامش. كانت العروض تُبهر بصريًا، لكنها خاوية من روح التحدي، وحين حاول البعض كسر القاعدة، كان مصيره الإقصاء. ثم جاء الحصار، فتحوّل المسرح إلى حالةٍ من البؤس، حيث كانت النصوص تُكتب لتُرضي ذائقة جمهورٍ يبحث عن مهرب من جحيم الواقع، لا عن مواجهة معه. وبعد 2003، حين ظن البعض أن الحرية ستعيد للمسرح ألقه، جاءت الفوضى لتسلبه ما تبقى له من كرامة.لم يعد المسرح العراقي ساحةً للأسئلة الكبرى، بل صار دميةً تحركها أيدٍ لا تؤمن إلا بالمكسب السريع. اختفى الفعل المؤثر، أو كاد، بعد أن صار المسرحي يُطالب بالتصفيق بدل أن يُطالب بالحقيقة. وما تبقى من محاولاتٍ جادة تُحارب في زوايا ضيقة، لا تجد لها منصاتٍ حقيقيةً تعرضها، فيما يسيطر على المسارح من لا علاقة له بفكرة المسرح أساسًا.“لا مسرح بلا وجع”، هكذا كان يقول (سعدي يونس)، لكن المسرح العراقي اليوم بلا وجع، بلا ألم، بلا صرخة. مجرد قاعةٍ مغلقة، وممثلين يكررون ذات الكليشيهات، وجمهورٍ فقد الثقة. هوامش المسرح صارت هي الأصل، أما الأصل فصار أثرًا يرويه المتقاعدون بحسرة. لكن المسرح، حتى وهو في ذروة انكساره، لا يموت. ربما يُهان، يُدجَّن، يُهمَّش، لكنه يبقى كالندبة في وجه الزمن، تذكيرًا بأن هناك من قاوم، حتى وإن لم يُسمَع صوته. المشكلة ليست في انحدار المسرح وحده، بل في انحدار الذائقة، في انطفاء الرغبة لدى الناس في سماع الحقيقة، بعد أن اعتادوا على وهم الخلاص السريع، على كوميديا تهريجية تُضحكهم ساعة وتتركهم فارغين بعدها، على دراما خاوية تُعيد تدوير الخيبات بدل أن تصفعهم بها.حين كان( فاضل خليل) يصرخ بأن المسرح موقف، لم يكن يتخيل أن يأتي يوم يصبح فيه الموقف تهمة. صار المسرحي الحقيقي يُعامل كغريب، كمنبوذ، كمن يُصرُّ على الكتابة بلغة انقرض قراؤها. لا أحد يريد مسرحًا يفضح، يكشف، يصدم، لأن الواقع نفسه صار أقسى من أي مشهد يُعرض على الخشبة. لم يعد الجمهور بحاجة إلى مسرح يقول له إنه مسحوق، منهوب، مخدوع، فهو يعيش هذه الحقائق يوميًا، لكنه يبحث عن مسرح يمنحه ولو قليلًا من الأمل، حتى لو كان زائفًا.الأسوأ من كل ذلك، أن المسرحيين أنفسهم استسلموا، أو تواطؤوا بصمت. بعضهم صار جزءًا من اللعبة، يكتب نصوصًا تناسب السوق، يصنع عروضًا تُباع كسلعة، لا كحلم. والبعض الآخر انسحب، فضَّل العزلة على أن يكون شاهد زور في جنازة المسرح. أما القلة التي لا تزال تحاول، فتواجه حربًا من التجاهل، وكأنها مجرد صدى لزمن لم يعد له مكان.لكن، هل يمكن للمسرح العراقي أن يعود؟ ليس السؤال في العودة، بل في الكيفية. هل هناك إرادة حقيقية لإعادته إلى جوهره، إلى كونه سلطة موازية، لا مجرد فرجة عابرة؟ هل يمكن أن يظهر جيل جديد لا يرضى بأن يكون تابعًا لمعادلة السوق والاستهلاك؟ أم أننا سنبقى ندور في دائرة المسرح الذي يُرضي، لا المسرح الذي يواجه؟

ربما لا تزال هناك خشبة تنتظر، ونصوصٌ لم تُكتب بعد، وربما هناك من لم يفقد إيمانه بأن المسرح، حتى وهو في أقسى لحظات ضعفه، يظل أكثر صدقًا من كل شيء آخر. لكن الإيمان وحده لا يكفي. المسرح لا يقوم على النوايا الحسنة، ولا يُبعث من موته بالصراخ في الفراغ. يحتاج إلى ثورة، إلى صدمة تهزّ أوهام السائد، إلى من يملك الجرأة ليكسر القواعد التي حوّلته إلى ديكور في مشهد ثقافي متهالك. المشكلة ليست في غياب النصوص، فالعراق لم يتوقف يومًا عن إنتاج الكتابة، بل في غياب الشجاعة، في من يجرؤ على إعادة المسرح إلى دوره الحقيقي دون أن يخشى العزلة أو التهميش.حين وقف (إبراهيم جلال) يومًا على المسرح، قال: “المسرح العراقي سيظل واقفًا ما دام هناك ممثل واحد يؤمن بأن الخشبة وطن”. لكن هذا الوطن اليوم بلا سكان، أو أن سكانه قرروا الهجرة إلى عوالم أخرى، أكثر أمانًا وأقل تكلفة. الذين ظلوا يحلمون بمسرح يصنع الوعي، لا مسرح يُباع كمنتج رخيص، صاروا قلة، غرباء في وطنٍ لم يعد يؤمن بالفن إلا كترف أو وسيلة تخدير.الجمهور نفسه تغيّر. لم يعد ذلك الجمهور الذي ينتظر مسرحية تعيد صياغة وعيه، بل صار يبحث عن مهرب، عن ضحكة عابرة، عن ساعة من النسيان في زمنٍ مثقل بالأوجاع. المسرح لم يهزم فقط بفعل السلطة، بل أيضًا بفعل مجتمعٍ لم يعد يراه ضرورة. في السابق، كان الناس يذهبون إلى المسرح ليكتشفوا أنفسهم في مرآة النصوص، أما اليوم، فلا أحد يريد أن يرى وجهه الحقيقي.

الجيل الجديد من المسرحيين أمام خيارين: إما أن يستسلموا لهذا الواقع ويصبحوا جزءًا منه، أو أن يختاروا الطريق الأصعب، طريق إعادة المعنى إلى المسرح. لكن السؤال المرير: هل هناك من لا يزال مستعدًا لدفع هذا الثمن؟ أم أن الجميع قد تعب، واختار السلامة على المواجهة؟

ربما ستبقى بعض المسارح واقفة، ربما ستُكتب نصوصٌ لن تُعرض أبدًا، وربما سيظل المسرح العراقي عالقًا بين ماضيه المجيد وحاضره البائس، لكنه لن يموت تمامًا. سيبقى هناك دائمًا من يرفض أن يكون جزءًا من هذا الوهم، من يصرّ على أن المسرح ليس للبيع، حتى لو اضطر إلى الوقوف وحيدًا على خشبة خاوية، يخاطب جمهورًا قد لا يأتي أبدًا.!

 
 
 

Comments


موقع فنون الثقافي

©2024 by موقع فنون الثقافي . Proudly created with Wix.com

bottom of page