المرسوم الابيض / مقال للفنان والناقد حسام الدين مسعد / مصر ,,,,,,,
- وهاب السيد
- Apr 25
- 2 min read

بقلم / حسام الدين مسعد
★★★★★★★★★★★★
في عالم يُعاد فيه إنتاج منظومات السيطرة، وتسود فيه النزعات الشعبوية والمحافظة، يتخذ مسرح الشارع موقعًا مضادًا، حيث يصبح الفعل المسرحي مقاومة علنية لا تنحصر في المضمون، بل في الشكل والموقع والوظيفة، هنا يولد مفهوم "المرسوم الأبيض" بوصفه بيانًا رمزيًا، لا يُملى من فوق، بل يُكتب مباشرةً من جسد الفنان في فضاء عمومي، في لحظة حرّة، وبلغة تقطع مع الوصاية،إذ يتأسس المسرح الحرّ على قناعة أساسية: أن لا سلطة على الجسد إلا الجسد نفسه. في هذا السياق، تُمثل الحرية الفردية المحرّك الأساسي لفعل المسرح، من خلال رفض أنماط الإخضاع السياسي والاقتصادي والمعرفي ( ميشيل ڤوكو، 1975).
-المؤدي في الشارع لا يملك سلطة، بل يُغامر بالهشاشة، يعرّض جسده للتأويل، للرفض، وربما للقمع. لكن في هذه الهشاشة تكمن قوته. إنه يقطع مع السردية الرسمية للثقافة، ويخترق أنظمة الرقابة الصامتة التي تُدار عبر العُرف، والدين، والسلطة.
-إن خطاب المرسوم الأبيض لا يدعو إلى القطيعة الجذرية مع التراث، بل إلى تفكيكه عبر ما يسميه جاك دريدا "القراءة التفكيكية"، أي قراءة تُظهر التناقضات الداخلية في النص التراثي نفسه.
فعروض مسرح الشارع تُعيد تمثيل الحكاية الشعبية لا بوصفها سردية نهائية، بل كجهاز أيديولوجي خاضع للسؤال المطروح من،وعلي المتلقي الذي يُمثل في مسرح الشارع شريكًا لا متفرجًا، ويتحول من مشاهد سلبي إلى فاعل مشارك، وفق ما يسميه أوغوستو بوال بـ"المتفرّج-الفاعل" (spect-actor)، حيث يصبح الجمهور قادرًا على التدخل، وطرح الأسئلة، وتغيير مسار العرض.
-لهذا فإننا نأمل من صناع مسرح الشارع بمبادرات ذاتية منهم صناعة عروض" المرسوم الأبيض"تلك العروض التي تُربّي على التلقي النقدي، وتكسر منطق الاستهلاك المسرحي القائم على الترفيه، لتزرع بدائل تقوم على التفاعل والمعرفة والتأمل. إنها تُعيد بناء الحاسة السياسية عند المتلقي، لا عبر المباشرة، بل عبر الصدمة الجمالية والانخراط التشاركي،إذ يرتبط فعل الأداء هنا بالفضاء الذي يُمارس فيه، فالشارع ليس مجرد خلفية واقعية جمالية ، بل بنية دلالية تساهم في بناء المعنى،ووفق هنري لوفيفر، فإن "الفضاء الاجتماعي يُنتَج ويُعاد إنتاجه في كل فعل".
وعليه، فإن احتلال الفنان للشارع يعيد تعريفه كـفضاء عمومي مقاوم، لا كحيز مراقَب أو مخصخص، بل كساحة تعبّر عن التعدد،و الاختلاف، والجدلية بين الفرد والسلطة.
-إن المرسوم الأبيض هو الصيغة المسرحية التي نطمح إليها،و ليس مشروع لعرض واحد، بل هو موقف فني وفكري مستمر، هو دعوة إلى إعادة كتابة الفضاء العمومي من خلال الجسد، إلى تحرير الحكاية من الحكاواتي الأبوي، إلى تخييل مسرح جديد لا تُحدده قاعة مغلقة ولا سلطة فوقية.
إنه مساحة رمزية لقول: لا، وساحة فعلية لطرح: ماذا لو؟،فهو مسرح لا يبحث عن تصفيق، بل عن وعي. لا يخشى الغضب، بل يعوّل عليه كمحرّك للنقاش.
-إنه مشروع دائم لإعادة التفكير في الذوات، في الموروث، في السلطة، وفي المعنى،لذا لنسطر سوياً مواد المرسوم الأبيض الذي هو فعل جمالـي مقاوم بقدر ما هو فعل سياسي، ليس لأنّه يحمل شعارًا، بل لأنه يحرّض على السؤال في زمن تُصادر فيه الأصوات،إذ يصبح مسرح الشارع صيغة من صيغ التنفّس الثقافي، ويصير المرسوم الأبيض وثيقة حية لا تكتب بالحبر، بل بالأجساد والأفكار والأصوات الحرة،والمبادرات الذاتية التي تنطلق من الفنان في فضاء الشارع .
Comments