الفنان التشكيلي مؤيد محسن ولوحة "الهوية الغائبة والمصير المشترك"/ تحليل نقدي للروائي علي البدر / العراق ,,,,,,,,,,,,,,,,
- وهاب السيد
- Apr 7
- 3 min read

الفنان التشكيلي مؤيد محسن ولوحة "الهوية الغائبة والمصير المشترك"
تحليل نقدي علي البدر
في عالم الفن التشكيلي، تتجلى قدرات الفنان ليس فقط في رسم الأشكال، بل في بثّ الروح فيها، وتحويل السطح إلى نص بصري مفتوح على التأويل interpretation . في هذه اللوحة الزيتية، تسير ثلاث شخصيات بلا رؤوس في صحراء صامتة، نجد عملاً يفيض بالرمزية والعمق الفلسفي، ويستدعي تأملاً متعدد المستويات، نفسيًا واجتماعيًا وجماليًا، وتناولًا لأبعاد اللوحة من زوايا فنية وسيميائية وسياقية Artistic, semiotic, and contextual perspectives
وبخصوص الوصف الفني والتقني، تتألف اللوحة من ثلاث شخصيات تسير على طريق رملي أو صحراوي. الأرضية صفراء تميل إلى الذبول، والخلفية الضبابية توحي بزمنٍ غامض أو ذاكرة متآكلة. الشخصيات لا تحمل رؤوسًا، لكنها ترتدي ملابس واقعية.
الشخصية الأولى (يسارًا): ببدلة بسيطة، تحمل في يدها باقة زهور. الشخصية الثانية (في المنتصف): ترتدي عباءة خضراء فضفاضة بينما بدت الشخصية الثالثة (يمينًا): رجل ببدلة رسمية، وعلى صدره قطعة قماشية مرسوم عليها نقش رمزي. وببساطة يمكننا التعرف على وقت هذا المسير أو التيه، وهو بعمق الظهيرة حيث الظل تحت الأجساد، يوحي بوجود شمس عالية ركزت الظل وهذا يعزز الشعور بالزمن الثابت والمكان الساكن.
وعند الغور في كنه ثيمة theme هذه اللوحة الجمالية والرمزية، نجد بأن غياب الرؤوس يرمز إلى فقدان الهوية الفردية، أو تغييب الفكر والإرادة وربما يشير إلى الاستشهاد، أو إلى تشيّؤ الإنسان وتحوله إلى مجرد "جسد اجتماعي" ونجد التعبير الرمزي الطبقي Symbolic class representation واضحا في نوعية الملابس التي يرتديها الثلاثة.
اليسار: شخصية بسيطة تحمل الزهور، ترمز إلى النقاء أو الأمل رغم الاغترابalienation . الوسط: عباءة خضراء يمكن قراءتها كرمز ديني، أو كتمثيل للحضن الآمن أو الرمز الروحي. اليمين: شخصية رسمية، قد ترمز إلى السلطة أو الثقافة أو التاريخ. رموز ثلاثة وألوان بين حارة وباردة بدت وكأنها تُحَوِّلُ اللوحةَ إلى سردٍ قصصي، حيث تتجلى موهبةُ الفنان التشكيلي مؤيد حسن وبُعدُهُ الثقافيُّ والقيمي.
اللون الأصفر الطاغي يوحي بالجفاف، الذاكرة، أو حتى الموت، والأخضر يعارضه دلاليًا، ويمنح اللوحة توازنًا روحيًا وبصريًا. كما نلاحظ استخدامًا مقصودًا للألوان الحارة والباردة: الأصفر والبرتقالي في الخلفية، وفي ظل الأرض يعكسان حرارة الشمس، وجوًّا خانقًا ذا طابع وجودي، في حين يقدّم الأخضر البارد نوعًا من التهدئة البصرية، ويعزز الأمل وسط هذا الجفاف البصري والنفسي.
أملٌ وسط تيهٍ لا نهائي. الطريق والمشي الجماعي في اتجاه واحد، يوحي بمصير مشترك، أو رحلة ما بعد الحياة. أجل. قد يكون الطريقُ تمثيلًا رمزيًا لمسار الأمة، أو ذاكرة جماعية تمضي رغم الفقد، حيث تعكس اللوحة شعورًا عميقًا بالاغتراب، وفقدان الهوية وسط جماعة موحّدة في المظهر، لكنها فاقدةٌ للرأس، أي للفكر والتميّز. كما توحي بفكرة الإنسان المقهور في مجتمعات الحرب أو القمع oppression أو التهميش marginalization، حيث يتم اختزال الفرد إلى جسد يسير بلا إرادة. وفي كل الأمور تبقى طبيعة الانسان في التحدي والأمل من خلال الزهور التي يحملها أحدهم وكأنها صدى ينادي وسط التيه بأن الأمل لا يزال حيًا، وإنْ خافتًا، وسط ركام الفقد والغياب.
وبخصوص الإطار الفني والمدرسة الأسلوبية، تظهر اللوحة تأثرًا واضحًا بالسريالية الواقعية realistic surrealism ، حيث تمتزج عناصر واقعية (كالملابس، الزهور، الظلال) بعناصر غير منطقية (غياب الرؤوس، الطريق الممتد في الفراغ). هذا الدمج يخلق مفارقة بصرية تفتح باب التأويل الواسع.
العمل لا ينفصل عن تجربة فنية محلية، غالبًا من سياق عربي/عراقي، ويُحتمل ارتباطه بتاريخ من الصراعات، الحرب، والتهجير. إنها إذن ليست مجرد مشهد صامت، بل سردية بصرية تحتفي بالتأمل وتدعو للتساؤل. من نحن حين نفقد رؤوسنا؟ وكيف نمضي في الطريق؟ هل ننسى؟ أم نحمل معنا عبق الزهور وعباءة الطهر وصدى السلطة؟
اللوحةُ لا تقدّم إجابة، بل تضعنا في قلب السؤال، وتتركنا نسير مع أولئك الذين لا وجوه لهم، لكن ظلهم باقٍ، وخطواتهم تَكتُبُ على الرّمْلِ حكايةً لا تُمْحى.
تحياتي والورد.
علي البدر Ali Albadr
Comments