أبتسامة زينب / قصة قصيرة / للكاتبة انتصار الحسين / العراق ,,,,,,,,,,,,,,,
- وهاب السيد
- May 17
- 2 min read

ابتسامة زينب
بقلم: انتصار الحسين
على ضفاف بركة أسنة، تقف زينب، فتاة صغيرة لا يتجاوز عمرها سنوات قليلة، لكن عينيها تحملان ثقل عمر من المعاناة. قدماها ترتديان خفًّا ممزقًا مربوطًا بسلك صدئ، كأنه الخيط الرفيع الوحيد الذي يربطها بعالم هش لا يرحم. تحت ثوبها الأبيض القصير، الذي بات رماديًا باهتًا، تتلوى ساقاها النحيلتان كعودي بخور محترقين، تحكيان قصة تعب لا ينتهي.
جسدها النحيل يحمل صمتًا ثقيلًا، صمتًا لا يجرؤ أحد على كسره. لكنها، في لحظة هدوء، تسمح لخيالها بالتحليق بعيدًا عن هذا العالم القاسي. تلال النفايات التي تحيط بها تتحول في مخيلتها إلى سهول خضراء تتفتح عليها أزهار برية، وأسراب الذباب تتحول إلى طيور نورس وعصافير تغرد بألحان نقية تملأ السماء بنغمات بلا حدود.
البركة الأسنة التي كانت راكدة وقذرة، تتحول إلى بحر أزرق يتلاطم بأمواجه، ينسجم مع خفقان أجنحة النوارس في رقصة أبدية. نسيم رقيق يلامس خصلات شعرها التي تسللت من تحت قطعة القماش البالية، ويجعل ثوبها الممزق يرفرف كالشراع في مهب الريح، يرفض القيود، يصرخ بحرية.
أغمضت عينيها، تمسكت بتلك اللحظات، تنسج في خيالها تفاصيل جديدة تضيف ألوانًا لجمال لا يُرى. يدها الصغيرة لا تزال تمسك بالكيس المملوء بالخردة، وعيناها تبحر في البحر الأزرق، تعيش لحظات من فرح نادر، جميلة كقصص قديمة كان والدها يحكيها لها رغم قسوة الأيام.
ابتسمت ابتسامة عريضة، ابتسامة صنعتها لتقاوم الألم، لعالم لا يرحم.
لكن فجأة، اقتحم صوت الكاميرات عالمها، سرق منها تلك اللحظات، وأعادها إلى البركة الأسنة، إلى كيس الخردة، إلى واقع لا يلين. عادت تمشي بين الحفر، تبيع ما يصلح، تشتري خبزًا وخضارًا، وتعود إلى بيت والدها المقعد، حيث السقف المتآكل يئن تحت وطأة المطر.
مرت الأيام، وبينما كانت تفرز النفايات كالعادة، لفت انتباهها ورقة مطوية بين القمامة. رفعت عينيها، وجدت صورتها هناك، مبتسمة، تحت عنوان:
"حتى مساكيننا رغم الفقر يبتسمون."
همست بصوت خافت:
"لم يرنا أحد ونحن نئن تحت وطأة الألم، لكن حين ابتسمنا، باعوا ابتسامتنا."
ابتسامتها، رغم كل شيء، كانت رسالة صامتة تقول:
في قلب الألم، لا يزال للإنسان حق أن يحلم.
Comments